للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الزحزحة عن النار ودخول الجنة هو الفوز الحقيقي]

قال تعالى في سورة آل عمران: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (كل) هنا لفظ عام ولا يوجد استثناء، فكل نفس ذائقة الموت، فالذين يقولون: إن الخضر ما زال حياً يكذبون الآية.

فالله يقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤].

ويقول تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:١٤٤]، فكلهم ماتوا.

ويقول تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] فهذه نصوص قرآنية ولا اجتهاد مع النص، فيقولون: كلا، سيدنا الخضر ما زال حياً، وعندما يتكلمون عن الخضر تجد الدرويش جالساً بجانبك، ويقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فتقول له: على من تسلم؟ فيقول: لأننا ذكرنا سيرة الخضر.

قال تعالى: ((وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فمن كان مجهداً في الدنيا لا يأخذ جزاءه في الدنيا؛ لأن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، وهي معبر وليست النهاية، ونحن في الدنيا مثل الضيوف نجلس فيها أياماً ونذهب، والضيف لا يشتري أرضاً ويبنيها، والناس كجهنم: هل من مزيد، قال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:٣٠]، وهكذا بطن ابن آدم، تقول له: هل شبعت؟ يقول لك: لا، بقي ثلاثة آلاف، أو ربع مليون، أو نصف مليون وهكذا؛ لأن الناس غاب عنهم الدين بالبحث عن لقمة العيش، فتجد أكثر الناس يقولون: أنا لست متفرغاً لك، ويقول أحدهم: هؤلاء أناس ليس عندهم عمل.

قال تعالى: ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) وليس الذي أخذ شهادة البكلريوس هو الذي فاز.

وأنت تقول للمرابي: خسر؛ لأنه أخذ ربا، ولكن الشيطان يزين له المسألة، فيقول له: أنا سأضع المال في الربا وإذا حصلت على خمسين ألفاً سوف أتبرع للجامع بعشرة آلاف جنيه.

والمال الحرام يا أخي إن أنفقته فهو زادك إلى جهنم، (وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).

ومن هنا نعلم أن الفوز ليس في الدنيا.

يقول تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:٢٠]، ولو أننا نقرأ القرآن بتدبر لعرفنا الفوز الحقيقي، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ولذلك عندما يثقل ميزان عبد ينادي الملك ويقول: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، اللهم اجعلنا من السعداء المرحومين يا رب العالمين! فالفوز الحقيقي هو أنك تزحزح عن النار، مجرد زحزحة فقط.

يقول صلى الله عليه وسلم: (آخر رجل من أمتي يخرج من النار دعا الله عز وجل وقال: يا رب! أخرجني من النار، لقد طال عذابي فيها، قال: عبدي! أئن أخرجتك لن تطلب شيئاً آخر؟! قال: يا رب! لا أطلب شيئاً آخر، فيقول: أخرجوه، فينظر أمامه فلا يرى إلا النار، وعن يمينه لا يرى إلا النار، وعن شماله لا يرى إلا النار، فيقول: يا رب! اصرف وجهي عنها، فيقول عبدي! أما عاهدتني ألا تطلب شيئاً آخر؟ فيقول: يا رب! هذا آخر طلب لا تجعلني أشقى خلقك، فيقول: اصرفوا وجهه عن النار) فيخرج من جهنم والعياذ بالله وهو أسود كالفحم محروق.

فإذا به يرى على البعد شجرة تميل أغصانها يمنة ويسرة، فتكون الشجرة عندها نسمة هواء وتحتها ظل ظليل ونهر جار فبالله عليكم، هل يصبر أم يتكلم؟ إن هذا منظر يجعل الأخرس يتكلم، فأنت عندما تعود من عملك الساعة الثالثة ظهراً تتمنى أن يكون في البيت ماء بارد تسبح فيه، أو أن تسكب على نفسك دلو ماء بارد، وهذا الرجل خارج من جهنم، ومجرد أن رأى الشجرة والهواء والماء سال لعابه.

يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وجد ما لا صبر له عليه، فيقول: يا رب! انقلني تحت ظلها أستمتع بنسيمها وأشرب من مائها، فيقول: يا عبدي! ألم تعاهدني؟ فيقول: يا رب! لا تجعلني أشقى خلقك، أنت الرحمن الرحيم، فيقول: انقلوه، فيشم الهواء ويستريح قليلاً ويشرب قليلاً من النهر، وإذا بشجرة أجمل وبنسيم أكثر وبنهر أفضل على بعد) فالله سبحانه ينقله درجة درجة؛ لأنه لو انتقل مرة واحدة سيضيق.

ولا أطيل عليكم الحديث وهو حديث صحيح، فعندما ينقله النقلة الثالثة يكون قريباً من باب الجنة؛ وهكذا يدخله الجنة على مراحل؛ ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الله لم يكتب عليه الموت مرة أخرى لمات من شدة الفرح) (فعندما رأى باب الجنة، قال: يا رب! فيقول: عبدي!، فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى عبادك، فيقول: ماذا تريد؟ فيقول: على بابها) فتراه يطمع في كرم الله، والرحمن الرحيم يطمعه في كرمه ويأخذه إلى الجنة شيئاً فشيئاً.

(فلما جلس باب الجنة رأى الجنة فيقول: يا رب!، فيقول: عبدي، فيقول: اجعلني على عتبة بابها من الداخل فلما نظر قال: أدخلوه، فاستغرب العبد، فيقول: كيف يا رب! وقد ملكها أصحابها؟!) فهو نظر ورأى كل واحد لديه مكان في الجنة، وليس له مكان، (فيقول: ادخل، إن لك عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتهزأ مني وأنت رب العالمين) فيا كريم، ويا حنان ويا منان! لا يوجد أحن من الله عز وجل، فهو أحن إلينا من آبائنا وأمهاتنا، ومن أقاربنا وأصدقائنا، ما طرق عبد بابه ليل نهار إلا واستجاب له، والله إذا طرقت باب الله في ليل أو نهار بإلحاح لأعطاك الله ما تريد، ولكن ادع الله بيقين، فالله لا توقفه عظم المسائل.

قال الله في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) وماذا تأخذ الإبرة من البحر؟! إن الله لا ينقص ملكه مسألة السائلين ولا كثرة المسائل، وكل يخاطبه بلهجات مختلفة، والله هو السميع البصير.

قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥]، يعني: أن الناس كلهم يتكالبون عليها ويظنون أن الدنيا هي المآل.

<<  <  ج: ص:  >  >>