وإن الطريق إلى الجنة طريق واحد، قال تعالى:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ}[الجن:١٦]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(تركتكم على المحجة البيضاء)، وهو الطريق الممهد الواحد، (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك) فالرسول صلى الله عليه وسلم تركنا وقد وضح لنا الأمور.
والمرأة الأوروبية عالمة الفلك الألمانية الشهيرة التي أسلمت في سنة خمسه وستين قالت: عجبت لنبيكم محمد، ما ترك شيئاً إلا ووضحه لكم وبينه! حتى آداب دورة المياه قد حدثكم عنها! فقال: ادخل بالرجل الشمال، واستعذ بالله، واقعد من ناحية الشمال، ونظف جيداً، ثم توضأ، فتخرج طاهراً، ولا تتبول في شقوق الأرض، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخاف عليك إلى هذه الدرجة، وهو أحن عليك من أبيك وأمك، فقال:(لا تتبول في شقوق الأرض)، خوفاً من أن يكون فيها حشرات أو شيء يضرك، ولا في الأرض الصلبة؛ حتى لا يرجع الرشاش عليك وينجس ثيابك، فهو يخاف على ثيابك.
فهذا حنين قوي، وقد قال الله له: يا محمد! أنجعل إليك حساب أمتك؟ قال: يا رب! بل أكلهم إليك، فأنت أرحم بهم مني.
فيا شقاء من ابتعد عن حنان الحبيب المصطفى! وقد كان إذا أراد أن يؤدب خوف بالسواك، وقد خدم أنس النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين يأتي له بوضوئه وما يحتاج إليه، وعبد الله بن مسعود كان يحمل نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما كان يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم من أنس يقول: يا أنيس! ويهز له السواك هكذا، لولا مخافة القصاص يوم القيامة لأوجعتك ضرباً بهذا السواك.
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنساً إلى السوق ليشتري أقطاً -وهو مثل الجبنة، واللبن الرايب الناشف- فذهب فوجد في الطريق صبياناً يلعبون فجلس يلعب معهم فضاع منه المال، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون قد تاه، وهو أمانة عنده، فأمه أتت به ليخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتعلم منه العلم، ويرق قلبه، فذهب يبحث عنه فوجده يلعب مع الصبيان، فأمسكه من قفاه، وقال:(يا أنيس؟! أين الأقط؟) فارتبك أنس وخاف، وقال له: إنه ضاع منه المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الله بخير منها يا أنس! فأكمل لعبك واتبعني إلى البيت.
فلماذا لا نتعلم الأدب من أستاذ الأدب؟ فهو هنا يقول: أنت أرحم بهم مني، فإذا بالعلي القدير يقول: يا جبريل! نبئ محمداً وقل له: إننا لن نخزيه في أمته أبداً، فهذه أمثلة لرحمته صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل أنعم علينا بهذه النعم: نعمة الهداية، ونعمة مجالس العلم، ونعمة القرآن، فننظر إليها على أنها نعمة من المنعم المتفضل سبحانه، ونستخدم هذه النعمة في إرضائه سبحانه وتعالى، وأين ما يهديه إليك البشر مما يهديه إليك رب البشر؟ ولو جاء عبد من عباد الله إلى باب أحد منكم يسأله فلساً أو فلسين لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاها له، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها خير وهي مثل المطر، لا يدرى الخير في أولها أم في آخرها؟ فلا طريق إلى الجنة إلا طريق واحد، وهو طريق كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم.