[وصف الجنة]
قال أبو هريرة رضي الله عنه: (يا رسول الله! صف لنا الجنة، قال: لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر) أي: أن الأسمنت الذي يلحم بين لبنة الفضة والذهب من المسك، فالجنة فيها طوبة فضة وطوبة ذهب، والملاط الذي هو الأسمنت من مسك.
فإذا كانت الفنادق الراقية مصممة تصميماً رائعاً فما بالك بما صممه رب البشر للبشر؟ فلذلك فإن الرسول لخص نعيم الجنة بهذه العبارة الموجزة فقال: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
والله عز وجل يذكر لنا أن الجنة فيها عسل مصفى وخمرة لذة للشاربين وماء غير آسن وأنواع من الفواكه ذكرها بأسمائها، وهذه الأشياء وإن كانت في الدنيا فإن خمر الآخرة غير خمر الدنيا، وفواكه الجنة غير فواكه الدنيا وهكذا فنعيم الجنة لا يشبه نعيم الدنيا إلا بالأسماء فقط، وسوق الجنة غير السوق الذي في الدنيا الذي يباع فيه ويشترى، وثمرة الجنة تنقسم نصفين، نصف يخرج منه حلة جميلة، والنصف الثاني: يخرج منه حوراء لو تفلت في البحر الملح الأجاج لحولته عذباً فراتا، فهل هناك شجرة في الدنيا هكذا؟ والشجرة التي تجلس تحتها تصبح لك، كما قيل في المثل الدارج: (جئت أدعي عليه فلقيت الحائط مائلاً عليه) وقال صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة: (وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران) أي: أن الأرض التي تمشي عليها من لؤلؤ وياقوت.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال في الدنيا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر غرست له الملائكة شجرة في الجنة) فشجرك في الجنة على قدر ذكرك في الدنيا، فلا يضيع أجرك أبداً عند الله عز وجل.
ولذلك فإن قلة الأكل تجعلك يقظاً لكتاب الله وللصلاة، وكما قيل إن أشعب كان يحب الأكل، فقالوا له: يا أشعب! أنت لحقت أبا حنيفة وبعض التابعين، فحدثنا حديثاً عنهم فقال: سأقول لكم حديثاً، حدثني فلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: قال صلى الله عليه وسلم: (خصلتان من فعلهما دخل الجنة) ثم قال: نسي سالم واحدة، ونسيت أنا الثانية، إذاً: لا توجد فائدة.
فحصباء الجنة لؤلؤ وياقوت، وترابها زعفران، وزعفران الجنة غير الزعفران الموجود عند الناس.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من دخلها ينعم فلا يبأس) يعني: لا تجد في الجنة شخصاً مكشراً، فإذا كان الإنسان يغضب في الدنيا من البلاوي، والهموم، والدين، والمضايقات من ضيق ذات اليد، والذنوب؛ لأن من ثمرات الذنوب أنها تضيق الصدر، فإن الطاعة تعمل على انشراح الصدر والرضا، اللهم اجعلنا من أهل الطاعة يا رب.
ثم قال: (من دخلها ينعم فلا يبأس أبداً، ويخلد فلا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم) أي: تبقى الثياب متجددة كل يوم، ويبقى شبابهم دائماً وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، كلٌ على سن عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل المرسلين لا يبلغها غيرهم؟ قال: والذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) يعني: أن أهل الجنة أنفسهم ينظرون إلى من فوقهم مثلما ننظر إلى الكوكب الدري الغابر، وهذه المنزلة جعلها الله لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
والإيمان أركان ثلاثة: قول باللسان، وعمل بالأركان، وتصديق بالجنان.
فما دام أنك لم تظلم أحداً، وقلت بلسانك، وصدقت بجنانك، وعملت الأوامر وابتعدت عن النواهي، فلم تظلم أحداً مظلمة مادية ولا مظلمة معنوية، فأنت مؤمن.
وجاء في مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أيضاً: (وفي الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم) لأن أقل ملك في الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يسير الراكب في ملكه ألفي سنة) أي: يظل يمشي في ملكه ألفي سنة، ولا يزال ملكه لم ينته، فكيف بأعلى منزلة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من يتطلع إلى وجه ربه بكرة وعشياً، قالوا: مثل من يا رسول الله؟ فنظر إلى أبي بكر وقال: مثل هذا) وكان دائماً يرافقه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكان يقول: (هكذا يدخل ثلاثتنا الجنة).
اللهم لا تحرمنا الأنس بهم يا رب العالمين! وفي مرة من المرات ألقيت محاضرة في إحدى القواعد العسكرية فقال قائد المعسكر: إذا أكرمنا ربنا وأدخلنا الجنة فأنا أحب أن أقابل خالد بن الوليد وأكلمه في الخطط العسكرية.
وروى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول إلا في: حي على الصلاة، حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم صلوا علي).
وإخواننا الدراويش في بعض المساجد، يزيدون ألفاظاً في الصلوات على النبي بعد الأذان فيقولون: الصلاة والسلام عليك يا كحيل العينين، ويا أسود الشعر، ويا شفيعنا يوم الدين، فهذه بدعة من البدع والعياذ بالله.
وقد كان صلاح الدين الأيوبي قبل دخوله معركة حطين ألغى المذهب الشيعي الذي كان يدرس في الأزهر أيام الفاطميين، فـ صلاح الدين الأيوبي لكي ينتصر على العدو لا بد أن يصحح عقيدة الناس، فألغى المذهب الشيعي، وأتى الحاكم الذي بعده فقال: يظن المصريون أننا ضد أهل البيت، ولا نحب أهل البيت، ونحن نحب أهل البيت، فأمر المؤذن أن ينادي بعد العشاء ليلة الجمعة بصوت عالٍ بالصلاة على رسول الله، فالبلاوي تبتدئ هكذا، فنادى الرجل بهذه الكيفية من الصلاة والسلام على رسول الله شهراً أو شهرين، ثم بعد ذلك جعلوها في الظهر في وسط النهار، إلى أن بقت في الظهر والعصر والعشاء، فسبحان الله! فكل من استن سنة سيئة في الإسلام فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً.
فالرسول يقول: (فقولوا مثلما يقول المؤذن ثم صلوا علي)، فـ (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي.