[تخويف مؤمن آل فرعون لقومه من بطش الله]
ثم قال لهم: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ} [غافر:٢٩] أي: هذا النهار أنتم أصحاب ملك، وعندكم ملك وجاه ومنصب، ومتبوئين مكانة عظيمة تأمرون وتنهون، فلكم الملك اليوم ظاهرين، وهذا الملك ملككم، ويوم القيامة يضل هذا الملك ويزول، ويكون الملك لله، {فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:٢٩] فمن سينصرنا حين تأتي اللحظة التي فيها بأس الله سبحانه وتعالى وبطشه، قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:١٢] وما بالك ببطش الله عز وجل، فالعبد منا يتق الله استعداداً لهذا اليوم.
قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٢٩] ففرعون رأيه بصراحة أنه لا يوجد شيئاً صحيحاً ولا شيئاً مضبوطاً إلا الذي يراه فقط، وقد قال عن سيدنا موسى عليه السلام: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:٢٦] ومن الذي يظهر الفساد في الأرض غير فرعون؟! ولكنه يقول عن سيدنا موسى: أنا أخاف أنه يغير دينكم ويفسد المسائل، وفي هذه الأيام يقول بعضهم: أنت تعرف أن الذي يضيع البلد هؤلاء أصحاب المساجد وأصحاب اللحى والجلاليب وما الذي يغضبك من صاحب الجلابية البيضاء؟ فهو مثل الملك يمشي، فما الذي يغضبك منه؟ والذي يصلح البلد إما أصحاب الجامع، أو غير أصحاب الجامع، ولن يصلحه إلا الذي بينه وبين ربنا تواصل، وينزل ربنا الرحمة من أجله.
قال تعالى: {يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} [غافر:٣٠] وهؤلاء الأحزاب هم الأمم السابقة التي حقت عليها كلمة الله عز وجل، وأين الاتحاد السوفيتي اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ والمذيع الفرنسي يقول في النشرة: الاتحاد السوفيتي سابقاً.
فربنا قال للاتحاد السوفيتي: زل فزال.
وأمريكا لو أرادت أن تنهي الاتحاد السوفيتي ففي كم من السنوات كانت ستنهيه؟ أفي مائة سنة؟ فقد كانت مغلوبة منه ومن القنابل النووية التي عنده، وبين غمضة عين وانتباهتها لا يوجد اتحاد سوفيتي.
فانظر إلى الأحداث نظرة إيمانية، وانظر إليها بمنطق البصيرة لا بمنطق البصر، وإعلامنا ليس له دعوة بهذا المنطق، فلا يدخل في هذه القضية.
ولما استعمرت فرنسا الجزائر يقول لي أستاذي: إننا حين كنا نعلم الفاتحة كانت المديرة الفرنسية تسأل: ماذا تقول لهم؟ فيقول: أنا أعلمهم نشيد العلم؛ لكي لا تطرده.
فقد كان الحس الإسلامي موجوداً عند شعب الجزائر، فالشعوب الإسلامية مبرمجة على الإسلام، وفطرتها مع الإسلام، والبعد عن الإسلام هذه مسألة مرحلية، ولن تكون العودة إلا إلى كتاب الله، وهذا يقين عندي ثابت منذ سنوات طويلة، والذين يسمعون خطبنا من السبعينات والثمانينات يسمعون مني هذه المقولة، وإن شاء الله لن ينتهي هذا القرن، ويبدأ القرن الواحد والعشرون إلا والإسلام هو الذي على الساحة في كل البلاد إن شاء الله.
قال تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} [غافر:٣١] وقوم نوح قد عاثوا فساداً في الأرض، فأغرقهم ربنا، وكذلك عاد وثمود، وكل هذه الأمم المتجبرة.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [غافر:٣١].
ويذكرهم لينتبهوا أن يحصل لكم مثل ما حصل للأمم السابقة، وقد صدق كلام الرجل، سبحان الله! قال تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر:٣١]؛ وربنا يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو يتركه ثم يتركه ثم يتركه ويرفعه عالياً ثم حين يقع لا يستطيع القيام.