[فضل عبد الله بن حرام الأنصاري وتنعمه بالنظر إلى وجه الله]
روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري رضي الله عنهما أن أباه كان أعرج وكان عنده من الأبناء أربعة، وكان يريد المشاركة في غزوة أحد فمنعه أبناؤه، فقال له الرسول: (يا عبد الله ليس عليك شيء، فقال: والله يا رسول الله! إني أحب أن أرزق الشهادة فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، وأبنائي يريدون منعي) أي: يقولون له: ابق أنت، ونحن الأربعة سنقاتل بدلاً عنك، فأنت رجل أعرج لا تستطيع القتال.
فـ عبد الله بن حرام الأنصاري من أسيادنا، مثل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: (أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا) وهذا من أدب عمر بن الخطاب، وبعض السادة العلماء يقولون: لا تقولوا: سيدنا محمد، وهذا غير صحيح، نعم في الصلاة لا يجوز، لأنه لا سيد مع الله في داخل الصلاة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا يشرع أن يقول في التشهد: اللهم صل على سيدنا محمد فنقول: اللهم صل على محمد في داخل الصلاة، وفي خارج الصلاة نقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.
فالرسول قال: (يا جابر -وهو ابنه الكبير- أشرك أباك)، أي: في الشهادة، فدخل عبد الله أرض المعركة فرزق الشهادة، وسيدنا جابر نظر إلى أبيه وهو مجندل والتراب قد ملأ عينيه ووجهه، فتغير وجه سيدنا جابر لما رأى أباه شهيداً، فهذه نفس إنسانية وهذا أبوه فقال صلى الله عليه وسلم: (يا جابر أراك وجدت على استشهاد أبيك) يعني: حزنت، فسكت سيدنا جابر ولم يرد بشيء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا جابر! والذي بعثني بالحق نبياً، ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، إلا أباك فقد كلمه الله كفاحاً من دون حجاب، وقال له -أي: بعد أن صعدت روحه إليه- عبدي تمن علي) تخيل العلي القدير القادر، الحكيم العزيز، القهار الجبار القوي، المعز المذل، الرزاق، يقول لعبد من عباده: تمن علي يا عبد الله.
واسمع الأماني.
(قال: يا رب! أتمنى منك أن تعيدني إلى الحياة فأقتل فيك مرة أخرى)، أي: أنا أريد أن أرجع إلى الدنيا مرة أخرى، ليس من أجل أن يوزع التركة، أو يقسم الأموال أو يشتري للأولاد ولكن من أجل أن يقتل مرة ثانية؛ لما رأى عند الله عز وجل من النعيم المقيم.
قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ جابر: (ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب إلا أباك يا جابر فقد كلمه الله كفاحاً بدون حجاب، وقال له: عبدي تمن علي، قال: يا رب أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: قد كتبت وما يبدل القول لدي: وأنهم إليها لا يرجعون، وإنما أبيح لك وجهي تنظر إليه بكرة وعشياً)، وهذه أعلى درجة في الجنة مع أبي بكر ومع الصفوة الكرام البررة، وإذا كان يقال: هذا النادي يدخل فيه الصفوة، وهذا المكان فيه الصفوة، وهذا المجلس فيه الصفوة، فالجنة أيضاً فيها درجات، وأعلى درجة هي الفردوس الأعلى، فمن كان في هذه الدرجة فإنه يباح له أن ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشياً.
اللهم اجعلنا منهم يا رب، وأدخلنا في زمرتهم عملاً في الدنيا وجزاء في الآخرة، يا رب العالمين.
والرسول صلى الله عليه وسلم حكى للصحابة أن الملائكة أتوا إليه، فقد كان يحكي لهم أي شيء يخص الدين، فلا يوجد شيء اسمه: الجماعة الدراويش الذين يتبعون التصوف، فالتصوف شيء جميل وحلو، لكن بصورة الدروشة فلا، فلو خرج علماء التصوف أو أبو الحسن الشاذلي والجنيد وهؤلاء العظماء من قبورهم لتبرءوا من هؤلاء المهلهلين في العقيدة الذين يعتقدون أن مع الله فاعلاً آخر، وهو ألا يصل الإنسان إلى الله إلا عن طريق الولي أو عن طريق الميت، فهذا شرك بالله عز وجل، فالمسلم لا يصل به الأمر أن يقول للناس: إن أناساً قد رفع عنهم التكليف، فهذه قلة أدب مع الله، فإنه لم يرفع التكليف إلا عن الميت، فلم يرفع عن رسول الله وهو أقرب الناس إلى الله.
فلا يوجد شخص رفع عنه التكليف، إنما يرفع التكليف عن المجنون، وعن النائم، وعن الصغير، وعن الميت، أما ما عدا ذلك فهم مكلفون حتى الذي عمل عملية ومشدود إلى السرير فيجب عليه أن يصلي فيذكر الله في قلبه ما دامت روحه بين جنبيه ويستطيع أن يميز، فالمهم أنه لا تسقط الصلاة إلا عن الميت، ولا يسقط التكليف إلا عن الميت، فالعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
يذكرون عن عالم من السلف -وهو بريء من هذه الحكايات الغريبة- أنه أتى له شخص وقال له: فلان من مريديك مات، فقال: إنه لم يمت، قال: مات، وقد غسلناه وسيصلى عليه الجنازة الآن، قال: إن ملك الموت لا يقبض روح أحد من المريدين الذين عندي حتى يستأذنني.
فهذا الكلام لا يقال على المنابر، ولو كانت هناك دولة ناصحة لأدخلت هذا الضال السجن؛ لأنه يشوش على الناس عقيدتهم، ويضع السم في العسل.