للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من صفات عباد الرحمن التوسط في النفقة]

قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:٦٧] سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل سيدنا عمر: (يا عمر! ما نفقتك؟) لو سألت شخصاً سؤالاً: يا محمود! كم نفقتك؟ يا إبراهيم! كم نفقتك؟ يا أحمد! كم نفقتك؟ يقول: كل يوم ثلاثة جنيهات تقريباً أما سيدنا عمر فيقول: (يا رسول الله! إنما نفقتي الحسنة بين السيئتين) يعني: إذا عمل سيئة يعمل بعدها حسنة، ثم يأتي بعدها بسيئة فيعمل بعدها حسنة: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤] سيدنا عمر ناصح، هذا هو الناصح! ولذلك أبشر سوف تجد في كتاب حسناتك يوم القيامة وستجد حسنات أنت لم تعملها، يقول ملك من قبل العلي الأعلى: يا عبد الله! هذه حسناتك، تقول: يا رب! أنا ما عملت شيئاً، وقد تجد قدر ألف حسنة من غيبة الذين اغتابوك، وظلم الذين ظلموك، وخيانة الذين خانوك: (لو يدري الظالم ما للمظلوم لضن عليه بظلمه) يعني: لو يعرف الظالم ما سيأخذه المظلوم من الحسنات لبخل عليه بالظلم.

وإذا ظلمت فلا تدع على الظالم؛ لأن ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه، وكذلك أنت عندما تدعو عليه تمحو حسناتك بالدعاء عليه؛ لأن الله يستجيب دعاءك وينتقم منه لك فهذا مقابل الحسنات؛ لأن المظلوم يقول الله له: (وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين) النصر آتٍ فما دام أن الله نصره فقد أعطاه حقه: (وأثقل شيء يوضع في الميزان جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر على إنفاذها).

انظر الرسول صلى الله عليه وسلم قال (جرعة) كأنها دواء؛ لأنها صعبة ليست سهلة، جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر أن ينفذها، سبحان الله؛ ولذلك العفو عند المقدرة ممدوح، جاء أعرابي من اليمن، فقعد في خطبة الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سيدنا الحبيب أحياناً يقرأ سورة ق، تخيل أنت عندما تسمع سورة ق من فم الحبيب كيف يكون أثرها؟! فبعدما انتهى النبي من الصلاة وقف الأعرابي وقال: (يا رسول الله! من سوف يحاسبنا يوم القيامة؟ قال له: الله الكريم)، انظر الإجابة! لم يقل له: الله القهار، الله الجبار، الله المنتقم، مع أن هذه صفاته وأسماؤه، قال: (الله الكريم، قال: لقد أرحتني يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح) الكريم عندما يقدر يعفو، وعندما يحاسب يسامح، لكن انظر إلى المسرف على نفسه، الذي ليس معه ولا حسنة، يقول: تعالوا فاسحبوه إلى النار، وهو ذاهب إلى النار سيدنا جبريل يوقفه ويقول: (يا رب! هذا عبد من عبادك كان يداين الناس فيقول لغلمانه: أيسروا على المعسر) يعني: فتح الله عليه بمال وغنى فجعل يداين الناس ديون، فكان إذا أتى موعد سداد الدين يقول للموظفين: الذي لا يستطيع الدفع فاتركوه قليلاً، قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:٢٨٠]، فيقول الله: أرجعوه إلي، فيقول: عبدي! أأنت أكرم منا؟! أدخلوه إلى الجنة.

فلا أحد أكرم من الله، لا كريم إلا الله، ومن كرمه أنه قال لسيدنا إبراهيم عندما كان عنده ضيف كافر فرفض أن يضيفه: يا إبراهيم! رفضت أن تضيفه في ملكك ساعة، وأنا أضيفه في ملكي رغم كفره بي منذ خمسين عاماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>