للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من صفات عباد الرحمن ترك الزنا]

قال تعالى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:٦٨] والعياذ بالله! فساعة ارتكاب المعصية والزنا يغادرك الإيمان، ويبتعد عنك؛ لأنه (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، فوقت ما يزني العبد ولو كان مؤمناً ما كان ليعمل هكذا؛ ولذلك الجوارح تأتي بالمقدمات: (إن العين لتزني وزناها النظر، وإن الأذن لتزني وزناها السمع، وإن اللسان ليزني وزناه السلام، وإن اليد لتزني وزناها اللمس، وإن الرجل لتزني وزناها المشي إلى ما حرم الله، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)، فيا مرتكب الفاحشة إلى أين ستذهب من الله؟ مما أعجب له مسائل الاغتصاب التي انتشرت في السنوات الأخيرة في مصر، وكانت جديدة على مجتمع المسلمين المصري؛ لأننا أولاً صعبنا أمر الحلال، فصار أمر الحرام ميسوراً.

والسبب الآخر: أنه خرجت بناتنا ونساؤنا عرايا إلى الشوارع، فكان هذا المنظر مدعاة للشباب المستهتر والمنحرف، والرجال الفسقة أن يعتدوا عليهن، والذئب يأكل من الغنم الشاردة؛ لذلك أنا ثائر وغضبان جداً من أولياء الأمور الذين يخرجون بناتهم وأولادهم بالليل، لا ينبغي أن تخرج حتى ولو إلى المسجد إلا أن تكون مع محرم، قلت لكم يوم الجمعة: ذهاب البنت إلى الجامعة ليس بحرام، ولكن اذهب بها محتجبة، وعندما تطلع بالليل انتظرها على الباب، وإلا فأنت راع ومسئول عن رعيتك، وإن حدث لابنتك سوء فأنت السبب، فهي معلقة في رقبتك يوم القيامة، اتق الله يا عبد الله، ربنا يحفظ بناتنا ونساءنا وأهلينا وذوينا من كل سوء، ويطرد عن هذا المجتمع كل شر وفسق وفجور، ويجعله مجتمعاً آمناً مطمئناً بكتابه سبحانه وبسنة حبيبه! قوله: (ولا يزنون) ولذلك لما كانت الحدود تقام كانت المسألة مريحة؛ لأنه عندما يقام عليه الحد يغفر له ما قد سلف، فالمحصن يرجم، وغير المحصن يجلد مائة جلدة، وبعدها ربنا يقول: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٢]، لماذا نحفر حفرة ونوقع الزاني أو الزانية فيها ثم نرجم؟ لأنه لا يضرب الله بالحجارة إلا أسوأ الناس عند الله وأعدى أعداء الله يموتون بالحجارة، وذلك مثل أصحاب الفيل، والزاني عنده نفس القضية يرجم بكومة حجارة ويأتي إمام المنطقة أو الحاكم فيقول: ابدءوا الرجم، فيرجمونه حتى يموت، ولو هرب الزاني من ميدان الرجم لا يعاد إلى الميدان مرة أخرى، لأن الأمر انتهى: (ادرءوا الحدود بالشبهات)، ولذلك سيدنا خالد لما جيء بـ الغامدية مع ماعز ليرجما وضعوهما في الحفرة وبقوا يرمونهما بالحجارة، فطارت قطرة دم من الغامدية إلى فم سيدنا خالد فتأفف، فقال: (يا خالد! لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم)، والرواية الثانية: (لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم)، والرواية الثالثة: (لو تابها صاحب مكس لغفر له)، صاحب مكس: هم أصحاب الضرائب.

وأريد أن أقول: لحد واحد يقام في الأرض خير من مطر أربعين سنة، فالمسلم يتقي الله، فمن واجب الناس أن يتوبوا، ولكن ترك الذنوب أوجب.

فنحن نحجب نساءنا وبناتنا وأخواتنا من أجل العيون الشاردة، والذئاب الجائعة، والنفوس المريضة الضعيفة التي تفعل ما حرم الله سبحانه وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم وأعلنوا بها)، في الجامعة، البنت والولد اللذان يقعدان داخل السيارة أليست هذه خلوة؟ هذه خلوة مؤكدة، وحتى ولو كانت مخطوبة له فلا يجوز أن يقعد معها، ولا أن يسلم عليها، ولا أن يوصلها البيت؛ لأنه ما زال أجنبياً عنها، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم وأعلنوا بها إلا أصابهم الله بأمراض لم تكن في أسلافهم).

اليوم أتى للمجتمعات: مرض الإيدز، وفقد المناعة، والفشل الكلوي، وتصلب الشرايين، وأمراض ما أنزل الله بها من سلطان، كان آباؤنا وأجدادنا يعيشون بالرضا وبالتقوى، وكان الواحد منهم يأخذ كوب شاي مع الليمون ثم يدلك في ظهره فيقوم وهو نشيط من فضل الله سبحانه وتعالى، كانوا يقولون: اقرءوا الفاتحة، فيقوم ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لكن لكثرة معاصينا كثرت الأمراض، والشفاء صار صعباً، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي أمراضنا الظاهرة والباطنة، إن ربنا على ما يشاء قدير.

قال تعالى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:٦٨]، (أثاماً): واد في جهنم فيه حيات وعقارب، تلدغه الحية يسري سمها في عروقه سبعين سنة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، المعذرة نحن في الجنة ونتكلم عن هذا الكلام، لكن المسألة مسألة أمر ونهي، والقرآن مثاني رحمة وعذاب، نسأل الله أن يرحمنا وإياكم.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (في كل حية أو عقرب سبعون قلة من قلال هجر) قلة هجر: هذه عبارة عن آنية مثل الصوامع، القلال والصاع والمد والمكاييل القديمة، وترجمتها إلى المكاييل الحديثة، لقيت أن كل عقرب أو كل حية والعياذ بالله فيها كمية من السم مقدار ثلاثة آلاف وخمسمائة كيلو، يعني: قدر ثلاثة طن ونصف في الحية الواحدة، تسلط على الذي يدعو مع الله إلهاً آخر، والذي يقتل النفس بغير حق، والذي يرتكب الفواحش، والذي لا يصلي، هذا هو الوادي الذي يستقبل هؤلاء.

قال تعالى: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم:٥٩ - ٦٠].

أي: إلا من تاب عن كل الذي فات، (وآمن) أي: بكل ما أنزل الله، (وعمل عملاً صالحاً)، فهم يتوبون إلى الله متاباً، ربنا تاب عليهم فكفر عنهم الذنوب التي ارتكبوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>