للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من صفات عباد الرحمن الإنفاق دون إسراف أو تقتير]

قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:٦٧].

أول ما نتحدث عن الإنفاق للأسف يقع في ذهنك موضوع النقود، يا أخي! إن الإنفاق ليس مقصوراً على المال، إن نفقة المال هي إحدى النفقات، فعندما تنفق من كلامك لا تتكلم كثيراً، وعندما تحب أن تنصح لا تكثر جداً ولا تقلل جداً، فإن الأمة المحمدية أمة وسط، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:١٤٣] فخير الأمم أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وهناك شخص يكون سفيهاً، ينفق أكثر مما يملك، فهذا سفيه، وشخص آخر والعياذ بالله بخيل، وكلاهما شر، والخير هو أن يعيش العبد على قدر نفسه (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) عندما تكون رجلاً غنياً، فإن الله يحب أن يراك لابساً ثياباً جيدة، وراكباً مركباً جيداً، وساكناً سكناً جيداً؛ فإن الله يزيدك، وإذا لم يعطك يحب أن يراك صبوراً، قنوعاً شكوراً، متوكلاً على الله، تعرف أن الله عز وجل سوف يعوضك يوم القيامة؛ ولذلك قال: (إن فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل أغنيائها بنصف يوم) وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون؛ لأن الفقير لا مال له يحاسب عليه، ولذلك قال أحد الجالسين: أنا فقير يا رسول الله! قال له: أئن تغديت بقي عندك للعشاء وإن تعشيت بقي عندك للصباح؟ قال له: نعم، قال له: إذاً لست بفقير.

وقال الثاني: أنا يا رسول الله فقير، إنني إذا تغديت لا يوجد عندي للعشاء، وإذا تعشيت لا يبقى معي للصبح؟ فقال له: لك ثوب غير هذا الثوب الذي تلبسه؟ قال: نعم، قال: لست فقيراً.

وقال الثالث: أنا يا رسول الله فقير، إذا تغديت لا يبقى العشاء! وإذا تعشيت لا يبقى الصبوح؟ قال له: أئن استقرضت الناس أقرضوك؟ قال: نعم، قال له: لست فقيراً، لأنهم لا يسلفونك إلا من أجل أنك سوف ترد مالهم.

وقال الرابع: أنا يا رسول الله فقير، وعندما أتعشى لا يوجد معي للصباح، وعندما أذهب أستلف من الناس لا يسلفوني؛ لأنهم يعرفون أنني لا أستطيع القضاء؟ قال له: أتستطيع أن تعمل؟ قال له: نعم، قال له: لست بفقير.

وقال الخامس: أنا يا رسول الله فقير، كل الشروط الأربعة منطبقة علي، حتى إنني لا أستطيع أن أعمل مثلما ترى أنني عاجز، قال له: أتمسي عن ربك راضياً وتصبح راضياً؟ قال له: نعم، قال له: أنت من الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، ليس كمن يركب (الأوتوبيس) وينظر رجلاً آخر بجانبه يركب فوق سيارة فارهة فيقول: هؤلاء هم السرق كلهم، لماذا تجزم أنهم كلهم سرق؟! ألم يكن هناك عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبو بكر الصديق وإلى جانبهم بلال وعمار وياسر وعبد الله بن أم مكتوم وعبد الله بن مسعود؟! هذا الغني وهذا الفقير! فكانوا إذا التقوا يتعاملون بالحب لا بالكراهية.

وأنا أريد أن أقول: إن لم نخرج من هذا بالحب، ونراجع أنفسنا في مسألة الكبائر فلا فائدة في الدروس.

أشكر لكم حسن استماعكم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>