[الوصية بالإصلاح بين المتخاصمين الأقرباء]
ينبغين للمرء أن يوصي أهله بأن يتقوا الله، فهي أعظم وصية، وأن يصلحوا ذات بينهم؛ لأن من ضمن الثلاثة الذين لا ترتفع صلاتهم فوق رءوسهم شبراً المخاصم لأخيه، فكل أخوين متخاصمين، أو أختين متخاصمتين، أو أخ مخاصم لأخته، أو أخت مخاصمة لأخيها لغير سبب شرعي يخشى على هؤلاء عدم قبول عباداتهم، وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نعطي من حرمنا، وأن نعفو عمن ظلمنا، وأن نحلم على من جهل علينا، وقد جاء في الحديث: (إذا تخاصم الأخوان قال الله عز وجل: لا تكتبا لهما ثواباً حتى يصطلحا، فإن لم يصطلحا فلا تكتبا لهما ثواباً حتى يموتا).
فلا صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حج كل ذلك لا يكتب ثوابه للمتخاصمين.
وبعض الناس يكون مخاصماً لأخيه أكثر من عشرين سنة، وقبل أن يذهب للحج يقول: أرفع سماعة التليفون وأرمي ذنوبي عليه.
فنقول لهذا: ليس هناك أحد يرمي ذنوبه على الآخر، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤].
ويقول سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤]، فيأمر الله عز وجل أن ادفع بالتي هي أحسن، والنتيجة: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤] أي: صديق قريب يهتم بأمرك.
وبعض الناس يقول: أنا أحاول مع خصمي ولا فائدة.
نقول: أنت تحاول لكن ليس من قلبك، أنت تحاول من ظاهرك، ولو حاولت من قلبك لانقلب العدو إلى حبيب، والبعيد إلى قريب، والشانئ الكاره إلى محب راض عنك وترضى عنه.
اللهم انزع الغل والحقد والحسد من قلوبنا، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا يا رب العالمين.
إذاً: لابد أن يصلحوا ذات بينهم، وهذه أعظم وصية.
وهناك أسباب تجعل الأخ يغضب ويحقد على أخيه، منها: أن بعض الآباء يحابون ولداً على ولد، فنقول: لا تحابوا أحداً على حساب أحد، إن كنت تحب ولداً أكثر من ولد محبة قلبية فلا تظهرها؛ من أجل ألا يحقد بعض الأولاد على بعض، وسئلت الأعرابية وكانت حصيفة لبيبة فطنة كيسة: من أحب أبنائك إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود.
يعني: أنا أحب الولد الصغير أكثر حتى يكبر؛ لأنه ضعيف يحتاج إلى من يقف بجواره، ولذلك إذا جاءك ولد على كبر أو بنت على كبر وزوجت البنات الكبار أو الأولاد الكبار وأعطيتهم حرفة أو صنعة، فمن الواجب أن تحجز، للصغير مبلغاً يساوي ثمن تعليمه الحرفة حتى يستوي بإخوانه الذين سبقوه، مع مراعاة سعر العملة.
إذاً: فالذي يجعل الإخوان يغيرون من بعض ويحقدون على بعض، ويقاطع بعضهم بعضاً، فهذا قد وقع في خطأ كبير، والأولاد قد لا يظهرون هذا الأمر أمامك حياء منك، أو خجلاً من أمهم، مع أن القلوب تشتغل في الداخل؛ ولذلك رأينا أن يوسف الصديق لما قال له رجل: إني أحبك، بكى، فقيل: ما لك يا يوسف، يقول لك: إني أحبك فتبكي؟ قال: وهل بلغني من السوء ما بلغني إلا بسبب الحب، أحبني أبي فألقاني إخوتي في الجب، وأحبتني امرأة العزيز فألقوني في غياهب السجن، كل هذا بسبب الحب.
إننا بحديثنا هذا لم نخرج عن حديث الدار الآخرة؛ لأن من ضمن الذي ينجيك يوم القيامة أن تسوي بين أبنائك وبناتك، وإذا أحببت ولداً لطاعته وهدوئه ودماثة خلقه وبره فلا تظهر ذلك إلا من باب النصيحة، تقول: انظر إلى أخيك كيف يعمل إنه طائع بار محسن، ولا تزد على ذلك؛ لأن الأولاد الآن أصبحوا من العناد بمكان، فإذا أمرتهم بشيء فعلوا عكس الأمر الذي أمرتهم به.
وسيدنا النعمان بن بشير لما ذهب به أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا رسول الله إني نحلت ابني النعمان بستاناً، فقال صلى الله عليه وسلم: أكل أبنائك قد نحلت؟ -يعني: هل أعطيت كل واحد من أبنائك بستاناً؟ - قال له: لا، فقال: أشهد عليه غيري، أنا لا أشهد على جور أبداً).
إذاً: لا تميز أحداً على أحد.