للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طعام ذو غصة]

النوع الثاني: طعام ذو غصة: في ناس كلمة الحق تقف في حلقه مثلما يشرغ أي: لا تخرج كلمة الحق من فمه سهلة، بل بالعكس، لو كان محامياً نصاباً فالكلمات الغلط تسيل على لسانه سيلاناً.

مثلاً: يترافع على امرأة في مسألة طلاق، فتقول: لم يضربني، يقول لها: إذاً القضية على هذا خسرانة خسرانة فيشجعها على أن تأتي بشهود زور.

نعم.

هي تريد الطلاق من زوجها، لكن أنت لا تشجعها على أن تأتي باثنين يشهدان زوراً؛ لأنك والعياذ بالله عندما تأتي بهما فهما في قعر جهنم، والذي تسبب بإتيانهم وهو من شهدوا له، وأكل صاحبه بشهادة الزور، في العذاب كذلك.

ولهذا عندما تدخل المحكمة ادخل برجلك الشمال، كمثل دورة المياه، وكبيت الحاكم، فهذه ثلاثة أماكن تدخلها برجلك الشمال، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لأن هذه أماكن فيها شياطين، فهل يعقل أن كل من في المحكمة مظلومون؟ نعم كل من في المحكمة مظلومون، أي: إما ظالم أو مظلوم، والقاضي قد لا يدري، وإنما أمامه أوراق ومحام، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار) يعني يقول الرسول: اعلم أنك لو أخذت شيئاً ولو قليلاً من حق أخيك بغير حق، فأنت تأخذ مثل ذلك من جهنم.

إذاً: الطعام الذي هو ذو غصة هو للناس الذين تقف كلمة الحق في زورهم، مثلاً لو أن ابن فلان من الناس لم يتفق مع صاحب العمل، فتجد والده يقول: صاحب العمل هذا لص مرتش نصاب، لكن ابنه ليس غلطاناً، ولا يمكن أن يكون عنده غلطانا! ولو أن أخاه غير متفق مع جاره، فإذا به يقف مباشرة بجانب أخيه، وفي الحقيقة يمكن أن يكون الأخ هو الظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.

فقال رجل: أنصره مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: أن ترده عن ظلمه فذلك نصر له) أي: أن تقول له: أنا معك وأنت مظلوم، أما وأنت ظالم فلا.

هناك ناس -والعياذ بالله- لا يستسيغون الحلال وإنما يستسيغون الحرام، ومنهم الموظفون الذين يتعاملون مع الجمهور، كحاجب المحكمة وغيره، وهناك ناس صالحون، لكن لكي يخرج لك حكماً من المحكمة يأخذ منك أموالاً وأنا أتكلم عن المحكمة وليس لي قضية فيها والحمد لله، أنا متنازل عن جميع القضايا المدنية وغير المدنية التي يرفعها الناس علينا، من سب وقذف، وكل هذه - الحمد لله - ربنا يدافع عن الذين آمنوا، ووالله ما ذهبت محكمة، ولي قرابة عشرين واحد يدافعون عني لا أعرف من أين هم.

فالمسلم يا ليته يقف عند هذا المكان ولا يدخل؛ لأن المحاكم كلها ظلم، والمنتصر والمهزوم في المحكمة كلاهما مهزوم؛ لأن المنتصر مهزوم يوم القيامة؛ لأنه غالباً أخذ حقه بدون وجه حق، وإلا فكيف أخذه؟ فالمحامي يظل يلعب على القاضي ونسأل الله السلامة، رغم أن هناك محامين صالحين، ربنا يستأنف لنا رحمته ويعيدنا إلى رحابه مؤمنين طاهرين مخلصين صادقين.

فالطعام الذي هو ذو غصة هو لكل إنسان لا سلاسة عنده في الحق، بل يأكل حراماً ويبتعد عن الحلال، الكلمات البذيئة تخرج منه سهلة، وكلمة الحق لا تخرج من فمه أبداً، فهؤلاء هم الذين يأكلون الطعام الذي هو ذو غصة.

والطعام ذو الغصة هو أيضاً للذي ينكد على أهل بيته، الذي يغار على حرمته لكن غيرة توصله إلى الشك، والشك يوصله إلى القذف، فهي غيرة لا حدود لها، تصل إلى الاتهام، والغيرة شيء طيب، حتى الحيوان يغار على أليفته، لكن لا توصلك الغيرة إلى أن تحدث نفسك بأمور ينهى عنها الدين؛ لأن سيدنا عمر لما قال للصحابة: لو أن أمير المؤمنين رأى رجلاً مع امرأة يرتكب الفاحشة، يقيم عليهما الحد؟ قالوا: نعم يقيم عليهما الحد، فقال سيدنا علي: هل مع أمير المؤمنين ثلاثة يشهدون معه؟ قال: لا.

قال: إذاً نقيم على أمير المؤمنين حد الفرية، الله أكبر على فهم صحابة رسول الله! ليس إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأما الآن فتجد ضعيفة في الحارة الفلانية تسرق حزمة خس فيأخذها الباحث، ويذكر اسمها واسم أبيها واسم جدها وأنهم وجدوها وأخذت كذا! ولكن الثاني يأكل الملايين ويقول لك: رجل أعمال شهير! فنان مشهور! ألا تقول اسمه يا أخي! وإلا فاسكت.

قال تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:١٢ - ١٣] اللهم أبعدنا عنه يا رب العالمين.

هذا الطعام يقف في الحلق فلا يدخل ولا يخرج؛ لأنه كان في الدنيا هكذا، فكل عمل في الدنيا له نظير في الآخرة، لا تظن أن هناك شيئاً يضيع عند الله، امرأة بنت خمسة وأربعين سنة تزوجت برجل يسيء معاملتها كل هذه المدة ويطردها؛ لأنها غير حاضنة، وتكون في الشارع ليس لها أحد، وهذه لن يضيع ثوابها عند الله أبداً، فلا تظني يا أماه أبداً وقد عبرت من العمر أكثر من السبعين أن ربنا سبحانه سيضيعك، ونحن كلنا مسئولون عن هذه الأمور، وهذا ما يؤلمني وينغص علي حياتي، حتى يصير ليلي نهاراً، فعندما أسمع هذه المشاكل الصعبة، وتصلني هذه الشكاوى السيئة، التي تري كيف اختفت الرحمة من قلوب المسلمين، وتجلس مع الزوج فيقول لك: يا أخي الأمر سهل! تقول له: يا أخي! امرأتك الآن عمرها خمس وسبعون سنة! ونسأل الله حسن الختام، يقول لك: لا تكلمني بالدين، أنا فاهم، أنا حافظ هذا الكلام من قبل أن تولد، نسأل الله الهداية.

يا أخي لو أن عندك موظفاً لمدة عشرين أو ثلاثين سنة فعندما تخرجه تخرجه بكرامته، لا تطرده إلى الشارع هكذا، فاتقوا الله عباد الله، وإذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك!

<<  <  ج: ص:  >  >>