للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثمرة التوكل على الله]

وسيدنا أبو حمزة الكسائي رحمه الله أحد التابعين سمع حديثاً عن أبي هريرة يبين أن الله أقرب إليك من حبل الوريد، وأن من سلك طريق الله فتح الله له الأبواب، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (كنت سابع سبعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يبايعني؟ قال: فمددنا أيدينا) ولم يسألوه على ماذا؟ فقال: (ألا تسألون علام تبايعونني؟ قالوا: بايعناك يا رسول الله! -وهذا من الأدب- قال: بايعونني على ألا تشركوا بالله شيئاً، وأن تقيموا الصلاة، وأن تؤتوا الزكاة، وأن تنصفوا المظلوم، وألا تسألوا أحداً شيئاً إلا الله، قال: فكان الواحد يسقط سوطه من يده وهو على ظهر ناقته، فينزل عن ظهر الناقة ليأخذه قبل أن يسأل أحداً)؛ لكي يتم العهد والبيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكي تبقى المعاهدة مثل ما هي.

وأبو حمزة رحمه الله تابعي والتابعون لم يروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما رأوا الصحابة، فقال: وأنا يا رب أي: عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم على ما عاهد عليه السبعة، فذهب يحج قادماً من الشام إلى مكة، وبينما هو يمشي تخلف عن الركب يقضي حاجته، فرجع وقد مشي الركب، فمشى وحده، فسقط في بئر ليس فيها ماء، قال: فقلت: أستغيث؛ لعل أحداً ينقذني، فتذكرت بيعتي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ألا أسأل أحداً شيئاً -والفلسفة الكذابة في زماننا هذا تقول: قل: يا سيدنا الشيخ! فسيجيبك، وهذا نظام لا ينفع- فسمع أصواتاً خارج البئر، والعربي كان يعرف البئر الذي فيه ماء والبئر التي ليست فيها ماء بالصوت، فقالوا: هذه البئر ليس فيها ماء، فحتى لا يقع فيه أحد نسده، وأبو حمزة تحته، فأتوا بخشب سدوه بالتراب، قال: فكدت أن أستغيث لولا أني تذكرت بيعتي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ألا أسأل أحداً إلا الله، قال: فجلست راضياً.

قال: فإذا بيد تمتد وتقول: هات يدك يا متوكل! يا مؤمن! قال: فأعطيته يدي فانتشلت من البئر، فرأيت نفسي على وجه الأرض، فلم أر أحداً، فسمعت صوتاً يقول: أرأيت ثمرة التوكل يا عبد الوكيل! والقصة هذه تصديقها أقرب إلى قلبي من تكذيبها؛ لأن هذا كلام تابعي من التابعين، ولكننا نحن نقيس بمقاييس المادة والنجاة وعدم النجاة، وكلما ازداد بالله يقينك كلما قلت أسبابك، وخطوتان وتصل: خطوة عن الدنيا، وخطوة إلى الآخرة، لأن اليقين يعوض السبب.

قال ابن عطاء الله: سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار.

يعني: كأن القدر له سور، فمهما تكن عندك من همة، فإن العمل لا يتم إلا بمرضاة الله، ففي حلكة الليل البهيم يظهر النور المضيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>