وكان الصحابي الجليل سيدنا نعيمان بن عبد الله يحب الضحك، والصحابة كان فيهم مرح، لكنه مرح محدود، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجد نعيمان قاعداً مع عدة نساء أمام عتبة داره، فلما رأى نعيمان الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين النساء ولم يكن محارم له فسأله عن سبب جلوسه فقال: أفتل حبلاً لبعير لي شرد، فيريد أن يستعذر من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أي كلام.
وكلما لقيه الحبيب عليه الصلاة والسلام قال له: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان؟ فكان نعيمان يختبئ من الرسول، وفي يوم من الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن نعيمان ويسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! إنه يصلي في آخر الصف، ويخرج قبل أن تراه، وهذا من شدة الإحراج والخجل الذي كان في الصحابة، ليس مثل بعض الناس يكلم أحد المشايخ ويعبث بخاتمة في يده، والسيجارة في فمه ينفخ في وجهه، فالتدخين حرام.
المهم أن سيدنا الحبيب دخل المسجد في وقت لا يتعود الدخول فيه فوجد سيدنا نعيمان يصلي، فلمح الحبيب وشم ريحته الزكية من جنبه، فأطال في الصلاة فعرف الرسول منه ذلك، فقال له:(يا نعيمان لو أطلت إلى يوم القيامة لانتظرتك).
أي: أنا أعزك، فهذه طريقة تربية الحبيب لأصحابه، فقد كان شفيقاً، ولم يقل له: والله لن تفلح، وكان كله حنان صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى نعيمان من صلاته اتجه إلى الحبيب وقبل يده ورجله، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان؟ فقال: ما شرد منذ أن أسلمت يا رسول الله، فكان قصد نعيمان ليس البعير، وإنما صاحب البعير، فيقال: إن نعيمان عمر ولم ينحرف ولا ارتكب فاحشة ولا غلط منذ أن أسلم، فوضع الرسول يده على صدره وقال:(اللهم حصن فرجه، واغفر ذنبه، ويسر أمره) فكان نعيمان يصلي بعد ذلك في الصف الأول خلف رسول الله.
فهذه هي طريقة التربية العظيمة.
ولما جاء ابن عمه السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف وكان شبيهاً به صلى الله عليه وسلم، وجيء به أسيراً في غزوة أحد، وكان عنيفاً على الإسلام والمسلمين، فنظر الرسول في الأسرى إلى أن وصل إليه فقال:(أطلقوا أخي، فإنه أشبه خلقي) أي: أنه يشبه النبي عليه الصلاة والسلام في خلقه وشكله.
وهذا رد على الإخوة الذين يقولون: عيب أن تقول: الإخوة المسيحيون، فهذا حرم، ويرد عليهم بأن الرسول قال للسائب: أخي، فما كان من الرجل إلا أن بكى وقال: جزاك الله عن عشيرة وعن أهل يا رسول الله! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
هكذا كانت الدعوة، فالدعوة ليست بتقطيب الوجه، ولا بكثرة الكلام، قال صلى الله عليه وسلم:(لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ببسط الوجه وحسن الخلق) اللهم ابسط وجوهنا، واشرح صدورنا، وحسن أخلاقنا كما حسنت خِلقتنا يا رب العالمين.