لنأت إلى الفرقان أولها ونصفها وآخرها، في أول الفرقان يقول تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ}[الفرقان:١١] أي: ينكر الساعة بالمرة يقول لك: لا، يا أستاذ! المشايخ يضحكون عليكم فقط في الجامع من أجل أن يأتوا بكم إلى المساجد.
{إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[الفرقان:١٢] كما قلنا في حلقات النار: إنه ستخرج منها أعناق تلتقط أصحابها كما يلتقط الطير الحب، تشم رائحة صاحبها المتكبر والمتجبر والمغتاب والنمام والحسود والحقود، كل هؤلاء تأخذهم والعياذ بالله! قال تعالى:{سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان:١٢] تأكل بعضها! ولذلك كان الحسد من الكبائر لأنه صفة من صفات أهل النار؛ ولأن الحسود يأكل نفسه، حاله مثل حال النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، والعياذ بالله! قال تعالى:{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ}[الفرقان:١٣] أي: عندما يقدمون فيها مكبلين بالأغلال والسلاسل والعياذ بالله! قال تعالى: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا}[الفرقان:١٣] الثبور: هو الهلاك والدمار والعياذ بالله رب العالمين! قال تعالى: {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا}[الفرقان:١٤] إنه ليس هلاكاً واحداً، وإنما هو عدة هلاكات وراء بعضها، ولذا قال:{وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}[الفرقان:١٤].
ثم بعد ذلك قال:{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ}[الفرقان:١٥] الله عز وجل يقول لسيدنا محمد: قل يا محمد لهم: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا}[الفرقان:١٥]، أيعقل أن تستوي جهنم التي تنادي على أصحابها وهم يسمعون لها تغيظاً وزفيراً، وعندما يلقون فيها يلقون مقرنين بالأصفاد ويقولون: يا هلاكنا! يا ويلنا! يا شقاءنا! أهذا خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون؟! اللهم اجعلنا من أهل التقوى لابد أن ندعو ربنا سبحانه وتعالى.
ثم يقول تعالى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:٢٤](مقيلاً) أي: يقيل فيها وهو مستقر في القيلولة.
ثم يقول تعالى:{أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}[الفرقان:٧٥ - ٧٦].