للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فضل من كظم غيظه عن أخيه المسلم]

ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن كف غضبه ستر الله عورته).

الجنس العربي - وهو مادة الإسلام - يبدو أنه من تراب ساخن قليلاً؛ لأن أصلنا من الأرض التي أتينا منها، يعني: الله عز وجل لما خلق أبانا آدم أمر جبريل أن يجمع له قبضة من تراب الأرض كلها، فجاء الناس على قدر الأرض التي جاءوا منها بنص الحديث.

فمنهم سريع الغضب سريع الفيء، أي أنه يغضب بسرعة، ويرضى بسرعة ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء، أحياناً والعياذ بالله تغضب زوجتك مباشرة ولا ترضى إلا بعد مدة، وكذلك بعض الرجال فبمجرد أن يحصل خلاف بينه وبين أحد يظل عشر سنين وهو على هذه الحال غاضباً.

ومنهم من هو بطيء الغضب سريع الفيء، هناك أناس أعصابهم هادئة، والله عز وجل يعطيهم شرح صدر.

الحسن البصري رحمه الله كان عنده خادم بذيء اللسان، وقليل الأدب، والحسن يسكت عنه ويصبر عليه، فقالوا: يا إمام! أتجعل هذا الخادم معك هل هذا يعقل؟ قال: أتعلم على يديه الصبر! انظر يا أخي إلى هذا الصبر العجيب.

شخص آخر يقول له: والله لو كنت في مكانه لأدبته وضربته ضرباً مبرحاً.

فيبدو أن المصريين يغضبون بشدة، ولكن جل المصريين سريعي الفيء، يعني: تركب (الأوتوبيس) فتسمعه يتضجر من الزحام ويسب الدولة قائلاً: انظر إلى الضيق والزحمة! ولو نزل ولقي أحد المسئولين لرأيته يسلم عليه كيف حالك يا أستاذ فلان؟ لماذا لا نراك؟ هذه الحكومة طيبة جداً! سبحان الله! إن أثقل ما يوضع للعبد في ميزان الحسنات غيظ يكظمه وهو قادر على أن ينفذه، إنك أحياناً تكون عصبياً، يا أخي! أمسك نفسك قليلاً؛ لأنك إذا تملكت نفسك عند الغضب فقد سترت على نفسك، وستفرح بنفسك جداً.

ولذلك قال سيدنا موسى لإبليس: يا لعين! متى تتحكم في بني آدم؟ قال: عندما يغضب ابن آدم يصير في أيدينا كالكرة في يد الصبي يقلبها كيف يشاء.

فعندما يغضب العبد يصير في يد الشيطان كالكرة في يد الولد الصغير، والشياطين يجعلون بأسنا بيننا، ولذلك أريد منك ألا تجيب امرأتك إذا أتيت من عملك متعباً وهي غاضبة، فهناك شيطان من أولاد إبليس عمله أن يزرع الخلاف بينك وبين زوجتك، يأتي إلى المرأة فيقول: ردي عليه، فترد على زوجها، ثم يأتي إليك أنت ويقول: ألا تسمع ما تقول؟! رد عليها ولا تسكت، فيرد عليها، فترد المرأة عليه أشد مما رد، فيأتي إليك ويقول: إنك يا رجل صاحب البيت، مد يدك عليها واضربها، فتضربها وتلصقها في الجدار، فيأتي إليها كذلك، ويقول لها: قولي له: إن كنت رجلاً فطلقني، ويأتي إليك، فيقول لك: بالطبع أنت رجل وابن رجل، ولكن إذا كنت رجلاً حقيقياً فطلقها فيقول الرجل: إنني رجل وابن رجل، وسأطلقك، أنت طالق.

ثم بعد ذلك يأتي إلى الشيخ: يا شيخ! إنني كنت مغضباً، وقرأت في الكتاب أن الشخص إذا كان غاضباً لا تقع طلقة نقول له: في ساعة الغضب عندما أوقعت الطلاق على زوجتك لماذا لا توقعه على أمك؟ يقول: لا إنها أمي، فنقول له: إذاً أنت تفهم وتعلم أن هذه زوجتك، وأن هذه هي محل الطلاق فطلاقك إذاً وقع، ولا تمزح في دين الله، أمسك عليك لسانك، فأنت تملك الكلمة قبل النطق، فإذا نطقت بها ملكتك.

قال صلى الله عليه وسلم: (تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً، ومن كف غضبه ستر الله عورته)، يعني: نحن لنا عورات والله عز وجل عندما نكف غضبنا يستر عوراتنا، اللهم استر عوراتنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين! قال صلى الله عليه وسلم: (ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا) يجعلك الله راضياً، لأنك ماذا ستكسب إن أنفذت غيظك؟ افرض أن شخصاً ظلمك فدعوت عليه، ودعوة المظلوم مستجابة، فإن الله يقول لك: إنك تدعو على الظالم وأنت قد ظلمت، وإن المظلوم يدعو عليك، فإن شئت أجبنا لك وأجبنا عليك، وإن شئت أخرتكما حتى يسعكما عفوي يوم القيامة، إذاً: أتحب أن يكون لك وعليك؟ فانتظر حتى يكرمك الله عز وجل.

ولا تدع على الظالم؛ لأن ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه، الظالم تصل إليه العقوبة قبل أن تدعو عليه أنت.

<<  <  ج: ص:  >  >>