للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية الحشر]

بعد ذلك قال: واقتربت الشمس من الرءوس، فلقد تركت مدارها، وتغيرت الأرض والسماء وكذلك أشكالنا، أي: الأجساد سوف تتغير، ونخلق يوم القيامة على صورة أبينا آدم ستون ذراعاً في السماء، يعني: إذا كان الذراع يساوي خمسة وسبعين سنتيمتر مثلاً، فالواحد طوله يوم القيامة خمسة وأربعون متراً.

وسوف نحشر يوم القيامة أصنافاً ثلاثة: ركباناً، ومشاة، وعلى الوجوه، يعني: سنخرج من القبور ثلاثة أصناف: صنف كانت الدنيا بالنسبة لهم مطية ووسيلة، وليست غاية، واتقوا الله عز وجل، وعاشوا ينشرون الدعوة والعلم، رغم ما يؤذون به وما يدخل بيوتهم من النكد والشر، لكن نصروا دين الله عز وجل، فلذا الخيول والدواب ووسائل الانتقال المريحة تنتظرهم عند القبور، من أجل ألا يمشوا، اللهم احشرنا معهم يا رب، فيحشرون ركباناً، ويحشر مشاة من كان عملهم أقل، وهناك - والعياذ بالله - من يحشرون على وجوههم، قالوا: (كيف يمشون على وجوههم يا رسول الله؟ قال: الذي أمشاهم على أرجلهم سوف يمشيهم على وجوههم).

إذاً: يحشر الناس مشاة وركباناً، وعلى وجوههم، على قدر تعبك لله في الدنيا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦] فإن كدحت لله في الدنيا وتعبت وعرقت من أجله، فستأتي يوم القيامة لا تعرق؛ لأنك أصابك العرق لله، وتعبت في سبيله، وجاهدت وحوربت، وضيقوا عليك الرزق، وراقبوك، وكرهت حياتك من أجله، وما زلت سائراً فيما يرضه، فلن تعرق وتتعب يوم القيامة.

والمرأة المنقبة والمخمرة التي تمشي في عز الحر مغطية نفسها بجلباب أو اثنين، من أجل ألا يرى أي شخص شيئاً من جسمها، ومن أجل ألا يعرف أحد هل هي سمينة أم نحيفة، وألا يعرف أحد شكل يدها أو جسمها أو رجلها وهي مع ذلك تتصبب عرقاً، فهذا العرق يمنع عنها عرق الآخرة، وتوضع لها كل قطرة من عرقها في ميزان حسناتها يوم القيامة، والتي تمشي عريانة والذباب محيط بها، وعيون الذئاب البشرية تنظر إليها، فهذه سوف تسبح في عرقها يوم القيامة، نسأل الله السلامة لنا ولكم ولنسائنا أجمعين، إن ربنا على ما يشاء قدير.

فالناس منهم من يمشي في عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يصل عرقه إلى حقويه -أي: نصف جسمه- ومنهم من يصل عرقه إلى صدره، ومنهم من يغطي العرق أذنيه.

من لم يتعب في الدنيا مثل تعب المؤمنين، بل كان مستريحاً محارباً لعلماء الدين فهذا يبلغ منه العرق على قدر عداوته وعمله.

يصل الناس إلى أرض المحشر، ونحن لسنا مثل أهل التوراة عندما يتكلمون عن ذلك قائلين: عند قبة الصخرة سوف يوضع عرش الرحمن، وتكون الموازين هناك والأرض، فنحن لا داعي لنا لمعرفة المكان، ولم يذكر في القرآن أو السنة ذلك، فلا يهمك المكان، وهذا حال التلميذ الغبي تماماً، فهو يهمه المكان الذي سيختبر فيه، وفي أي لجنة؟ وكم في جنة من طالب؟ وكم الأسئلة؟ وهذا ليس عليه، ونقول له: إنما عليك أن تذاكر وتمتحن حتى في المريخ.

وكذلك قضية أرض المحشر، في أي مكان هي؟ هذا ليس علينا، فلا تسأل عن أشياء لن تعود عليك بشيء مفيد.

وعندما يصل الناس إلى أرض المحشر جميعاً، تطول بهم الوقفة لأن اليوم في الآخرة بخمسين ألف سنة، فكم يمكث الناس يا ترى؟ يمكثون طويلاً، حتى إن الحبيب يذكر: أنه يتمنى كثير من الناس أن يذهب بهم إلى النار ولا تطول بهم الوقفة.