[صفات شجرة الزقوم]
وقوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٦٤] أبو جهل ومن معه لما قاسوها بالعقل قالوا: شجرة وجذعها في النار! إذاً: هي تحترق، يعني: لو شجرة أصلها في النار لاحترقت، النار ستشتبك في أغصانها فتحترق، فالظالم أو الضال الذي يريد الله عز وجل أن يغويه، يأتيه بهذه الشجرة، عندئذ قال الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٦٣ - ٦٤] الجحيم دركة من الدركات السبع، إذاً شجرة الزقوم هذه لها مكان معين في النار.
وقوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا} [الصافات:٦٤ - ٦٥] أي: ثمرها {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:٦٥] من منا رأى الشيطان؟ لا أحد، لكنا نتخيله، ولذلك عندما نحب أن نقول عن شخص: كريه أو معبس، نقول: كان شكله وقت الغضب كأنه شيطان، لكراهة المنظر، وعندما نرى وجهه صبيحاً نقول: هذا وجهه مثل الملك، فهذا عكس هذا.
إذاً: يصف ربنا الطلع أو الثمر الذي لشجرة الزقوم بقوله: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:٦٥] ولذلك نسوة العزيز قلن عن سيدنا يوسف: {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:٣١] لأن شكله جميل، اللهم اجعل وجوهنا وقلوبنا ملائكية يا رب! فهنا يقول الله سبحانه: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:٦٥].
وقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات:٦٦ - ٦٧] الشوب: الثمر الذي طلعه أو شكله مثل رأس الشيطان، فهذا مشوب أي: مختلط بالحميم، وهو والعياذ بالله الصديد أو العصارة النازلة من أهل جهنم، فـ أبو جهل يقول: هي عجوة مخلوطة بالزبدة، فربنا سبحانه ذكر صفتها.
انظر طلع شجرة الزقوم التي قال ربنا فيها: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء:٦٠] يخوفهم ربنا ولكن لا ينفع معهم، فنسأله تعالى أن يجيرنا وإياكم من عذاب النار وما فيها.
وثمر شجر الزقوم وشكله مثل رأس الشيطان مختلط بعصارة أهل جهنم.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات:٦٨] يعني: ينتقلون بهم من مكان إلى مكان لكي يأكلوهم، مثل المساجين، فالمساجين عندما يصعدون بهم إلى الجبل لكي يكسروا الأحجار، يربطونهم في الكلبشات، ثم يعيدونهم بعدما يكسرون، ويريحونهم في الزنزانة والعياذ بالله، فالمثل هنا أقسى؛ لأن الله قال: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات:٦٨] فبعد أن يذهب ليأكل من شجرة الزقوم التي طلعها كأنه رءوس الشياطين، ومخلوطة بالحميم، يعود مرة أخرى إلى الجحيم.
وقوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٣ - ٤٦] والعياذ بالله رب العالمين.
يقول سيدنا سعيد بن جبير رضي الله عنه: إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع، فأغيثوا بشجر الزقوم، وقد علمنا أن السحاب يأتي فوقهم، ما تودون؟ قالوا: ما دام هناك سحابة فنحن نريد منها أن تمطر ماء لتطفئ النار، فهذه السحابة إذا بها تمطر أغلالاً وسعيراً، فأغيثوا بشجرة الزقوم والعياذ بالله، فأكلوا منها فانسلخت وجوههم، حتى لو أن ماراً مر عليهم ما عرفهم، كما لو أتوا لك بجمجمة لميت، فهل تعرف لمن هذه الجمجمة، فهكذا حال وجه الكافر والفاجر والضال والمكذب والمتجبر على عباد الله، حتى لو أن ماراً مر عليهم لما عرف وجوههم، فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش، فيغاثون بماء كالمهل الذي تناهى حره، فإذا أدنوه من وجوههم أنضج حره الوجوه، فيصهر به ما في بطونهم والجلود، ويضربون بمقامع من حديد، فيسقط كل عضو على حياله، فيدعون بالويل والثبور، {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان:١٤] يقول: يامصيبتاه! واثبوراه واثبوراه! يعني: يا هذا الهلاك يا هذه الكارثة! يعني: لن تدعو ثبوراً واحداً ولا هلاكاً واحداً، بل ستدعون ثبوراً كثيراً.
إذاً: فشجرة الزقوم هي النوع الأول من العذاب للكافر والضال والمكذب.