إن مرحلة الدنيا هي مرحلة التكليف وحمل الأمانة، وهي أصعب المراحل، والله عز وجل لما أهبطنا إلى الدنيا من رحم الأم ونزلنا إلى سعتها وإلى نورها، بدأت مرحلة الطفولة وهذه ليس فيها حساب، والرسول قد أرشدك إلى أن تلاعب ابنك سبع سنين، أي: لا تنكد على الولد سبع سنين، بل لاعبه سبع سنين، لكن لا تدلله حتى تفسد أخلاقه، وإنما تربيه التربية الحسنة، وتلاعبه بشيء من الحنان، وتحمل ابنك في حضنك.
وقد اكتشف العلماء أن لحظة إرضاع الأم لابنها يخرج نوع من الإشعاع من قلب الأم يحس به الولد.
أما الأولاد الذين يرضعون الحليب الصناعي نتيجة الفطام المبكر بسبب شغل الأم، فقد جاء في إحصائية في الاتحاد السوفيتي: أن الحضانات الجماعية التي يتربى فيها الأولاد بعيدين عن أمهاتهم، وبعيدين عن لبن الأم الطبيعي يكبرون وعندهم جفاء وعقوق، والولد الذي يرضع من أمه يصير باراً بأمه؛ ولذلك قال ربنا:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة:٢٣٣]، قال علماء اللغة:(يرضعن) هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه، أي: والوالدات يجب أن يرضعن أولادهن حولين كاملين، يعني: أن الله يأمر الوالدات بإرضاع الولد أو البنت سنتين إن لم يكن هناك مانع صحي.
قال ربنا سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}[الحج:١ - ٢]، والمرضعة تطلق على الأم لحظة الإرضاع؛ لأن أكبر قدر من الحنان والرحمة يكون موجوداً حال الإرضاع، ولذلك جاء في الحديث:(كل مصة يمصها الولد منها يكتب لها حسنة، وتحط عنها سيئة، وترفع بها عند الله درجة) فالله عز وجل أكرم الأم؛ بسبب اهتمامها بالطفل وإرضاعها له.
وقد قام جماعة من العلماء الفرنسيين بتجربة في مزارع جماعية للوز، فوجدوا أن الوز الذي يخرج من البيض عن طريق آلات التفريخ الحديثة ليس عنده انتماء لأحد، وليس له قائد ولا رئيس، فجاءوا قبل فقس البيض بأيام بصوت موسيقي معين، فبعد ما فقس البيض وخرج الوز أول ما كانت هذه الموسيقى تضرب يجتمع الوز كله، ثم أتوا بأمهات حقيقيات من الوز وجعلوها ترقد على البيض، فنظروا في هذه المزرعة التي تحوي آلاف الأمهات بعد ما فقس البيض، وكل عشرين أو ثلاثين واحدة من الوز الجدد اللاتي من أم واحدة تجدها أول ما يأتي وقت المغرب تذهب عند أمها، فقال الفرنسيون: الحل الوحيد لمسألة التضخم في فرنسا أن تعود المرأة إلى البيت مرة أخرى، لكن هذا القول لم يوافق هوى المرأة المديرة والدكتورة والوزيرة وغيرهن.
نعود إلى المرحلة الثالثة التي نحن فيها، فالذي يموت الآن قبل قيام الساعة ينتقل إلى القبر، والقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، لكن الذي مات في الجو أو احترقت به الطائرة، أو غرقت به السفينة فأكلته الأسماك، أو مات مفقوداً محترقاً في سيارة أو في أي شيء، فيا ترى أين قبره؟ وكيف يكون حسابه؟ ثم بعد ذلك هل يشعر الميت بنا؟ وهل هو في حاجة إلى ذكرى سنوية أو أربعينية أو غير ذلك؟ ثم بعد ذلك هل كل الناس يموتون بطريقة واحدة؟ كل سنجيب عنه.
قال بعض الصالحين عن بعضهم ممن كتب الله لهم سوء الخاتمة: كان هناك شخص يحتضر فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول: ثلاثة ونصف، أربعة ونصف، خمسة ونصف.
ورجل آخر كان مغرماً بلعب الطاولة، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول:(كش ملك)، وهي أداة من أدوات الشطرنج والعياذ بالله.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأمتنا على خير حال يا رب العالمين، ونعوذ بك يا رب من سوء الخاتمة، وأحسن لنا خاتمتنا وعاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين.