للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر أهل الجنة في سورة ص]

يذكر الله طائفة من الصالحين يقول تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص:٤٥].

بدأ بأبي الأنبياء عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يقولون: إنه بنى أعظم بناء في التاريخ، وهي الكعبة، فالآمر ببنائها هو الرب الجليل، والمبلغ والمساعد هو الأمين جبريل، والمنفذ لما أمر هو إبراهيم الخليل، والذي يساعده هو الصديق إسماعيل، قال له: كيف أبنيها يا رب؟! فأرسل الله سحابة فظللت ما تحتها، فقال الله له: على حدود ظل السحابة ارفع القواعد من البيت، فرفع القواعد سيدنا إبراهيم، وقال الله فيه: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:٣٧]، فماذا وفى؟ قدم جسده للنيران، وابنه للقربان، وطعامه للضيفان، دائماً كان سيدنا إبراهيم لا يأكل إلا إذا أتى ضيف، يخرج عبيده ليأتوا بالضيفان، والشاعر العربي يقول: وإني لعبد الضيف مادام ثاوياً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا يعني: عندما يحل عنده الضيف يكون هو عبداً للضيف، وليس فيه من صفات العبد إلا هذه الصفة! ولذلك الكريم قريب من الله، وقريب من الجنة، وقريب من الناس، وبعيد عن النار، والبخيل بعيد عن الله، وبعيد عن الجنة، وبعيد عن الناس، وقريب من النار، اللهم اجعلنا من أهل الكرم يا رب! فسيدنا إبراهيم مشهور في التاريخ بالكرم، وعندما كان يأكل لم يكن ينظر إلى الذي أمامه، هكذا كانت شريعته، ولم يكن يتكلم على الأكل، والسنة عندنا أن تكلم على الأكل: (تحدثوا على الطعام ولو بثمن الطعام) فلابد من الكلام على الأكل، ألست تعلم ابنك فتقول: عيب يا ولد انتبه تسقط الأكل؟! فالسنة أن نتحدث على الطعام من أجل أن نؤنس الضيف، ولو كنت سريع الأكل يا صاحب البيت فكل ببطء من أجل ألا يحرج الضيف، ولا تقل له: إنني آكل سريعاً كل براحتك! كيف سيأكل براحته مادام أنه يأكل بسرعة، كن أنت آخر من يقوم.

قال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص:٤٥] الأبصار هنا ليس معناها البصر المعروف، فقوله: ((أُوْلِي الأَيْدِي)) يعني: الكرام، ((وَالأَبْصَارِ)) جمع بصيرة والمراد: البصائر {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:٤٦] أي: عندما تذكر اسم سيدنا إبراهيم تقول: عليه السلام، وهكذا سيدنا يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وسيدنا إسحاق وهكذا فكل هذه نعمة من الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص:٤٧].

ثم قال الله: {هَذَا ذِكْرٌ} [ص:٤٩] أي: هذا ذكر حسن، ولكن عندما تذكر قارون تقول: أعوذ بالله! قال تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:٤٩] يعني: الذكر الحسن في الدنيا، أما في الآخرة فإن للمتقين لحسن مآب.

قال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} [ص:٥٠]، وهناك فرق بين (مفتحة) و (مفتوحة)، فالمفتوحة هي التي تفتحها بمفتاح أو بالدفع فيكون الفتح بفعل فاعل، لكن لفظ (مفتحة) أي: بالأمر، يعني: الله عز وجل أمر أبواب الجنة أن تفتح، ففتحت؛ ولذلك لا تفتح أبواب الجنة لأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضوان واقف على باب الجنة، ونبينا هو أول من سيفتح له باب الجنة: (أول من يقعقع حلقتها نبيكم ولا فخر، فأجد امرأة تريد أن تسبقني إليها، فأقول: من أنت يا أمة الله؟ قالت: أنا امرأة مات زوجها وترك لها يتامى، فقعدت عليهم فربتهم، فيأخذ الرسول بيدها إلى الجنة).

قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} [ص:٥١] الاتكاء نعمة من النعم، وليس مثل أن تتكئ في بيتك من كثرة الألم، بل الاتكاء هناك {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:٥٤] أي: حشوها من الداخل حرير، فكيف تكون من خارجها؟ ألست أنت محروماً من هذه الأشياء في الدنيا؟ سيعوضك الله إياها في الآخرة، ولكن اصبر! قال تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [ص:٥١ - ٥٢] يعني: ليست صاحبة عيون جريئة، بل {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [ص:٥٢] أي: قصرت نظرها إلى زوجها، ومن النعمة أن تكون مطمئن القلب أن امرأتك لا تنظر إلا إليك فقط، يعني: في زمن جدتي وجدتك لم يكن عند المرأة إلا زوجها في الدنيا، ولكن الموظفة اليوم تقارن بين الأستاذ درويش الذي بجانبها وهو مسرح شعره وشكله كيف يكون؟! والكرفتا كيف هي؟! والملاية التي عليه هل هي من الكساء الشعبي؟ وتقارن كيف شكله أمام زوجها، وهذا صحيح ووراد، لكن قاصرة الطَّرْفِ لم تكن تخرج؛ لذلك مدح الله البنتين اللتين رآهما سيدنا موسى حيث حصل له ذعر عندما نظرهما، وقال: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣] ثم قال: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} [القصص:٢٤].

ثم بعد ذلك قال: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:٢٥] أنا أريد أن يعلم هذا الحياء في المدارس، نريد من مدرسي التربية الدينية واللغة والعربية في المدارس وبالذات في مدارس البنات أن يعلموهن ما معنى المشي على استحياء، قال سيدنا عمر: (غير ولاجة ولا خراجة)، يعني: أنها لا يعرفها الناس بسبب قلة خروجها من بيتها إلى الشارع فليست داخلة خارجة كل يوم، وليس هناك اجتماع بعد الظهر، وجمعية عمومية، وداخلة في النقابة.

قال تعالى: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [ص:٥٢] يعني: في سن واحدة، والترب هو الند والمشابه والمثيل، يعني: من أجل ألا يقول أحد لأحد في الجنة: زوجتي أحسن من زوجتك.

قال تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص:٥٣ - ٥٤] فهذه نعم عظيمة!

<<  <  ج: ص:  >  >>