[فضل مجالس العلم في المساجد]
فأنت يا أخي المؤمن! تجد من الناس من يتشاجر مع أخيه في السوق أو في الفندق أو في المدرسة أو في مركز حكومي أو في مركز الأمن فيتضاربان، فالشياطين تقوم بدورها في نشر العداوة والبغضاء بين الناس في مثل هذه الأماكن، لكنك في المسجد جئت إليه عزيزاً لا تطأطئ رأسك إلا لله، ولا تحني هامتك إلا لمن خلقك، فأنت في اطمئنان في بيت الله عز وجل، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨]، إذ إن الطاعة كلها عزة، ولذلك فإن المطيع لله عزيز والعاصي لله ذليل، فمن مناظر أهل النار أنك تراهم ناكسي رءوسهم {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:٤٥].
بينما الرسول صلى الله عليه وسلم جالس بين صحابته رأى مجلسين: مجلس علم ومجلساً يدعون الله فيه ويبتهلون فيه، فجلس في مجلس العلم وقال: (إنما بعثت معلماً).
وثبت في السنة أن ثلاثة جاءوا إلى الحلقة فواحد منهم وجد فرجة في الصف فجلس، أما الثاني فاستحيا أن يتخطى الصفوف فجلس في المؤخرة، أما الثالث فقال: ماذا أصنع هنا؟ فأعرض ومشى، فاسمع تعليق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كلامه شفاء للأمة، وشقاء الأمة كلها حين تلقي بكلام رسول الله خلف ظهرها.
قال: (أما الأول فقد أقبل على الله فأقبل الله عليه، وأما الثاني فاستحيا من الله فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض عن الله فأعرض الله عنه)، وشتان بين محب للعلم وغير محب للعلم.
فأنت حين تأتي إلى المسجد لا تكلف نفسك شيئاً، ومع ذلك يجعل الله سبحانه حضورك الجماعة في ميزان حسناتك، والمسلم حين يتحرك من بيته للصلاة فإن الملائكة تكتب له ثواباً كأنه في صلاة إلى أن تقام الصلاة، فتكتب له حسنة وتحط عنه سيئة ويرفع عند الله درجة، ولو كشف الحجاب لرأى أجنحة الملائكة وهي تفرش الطريق أمامه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وتصلي عليه الملائكة حتى يرجع إلى بيته، ومن خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع).
فلو حدث له شيء فهو في سبيل الله، وفرق بين من يذهب في غير سبيل الله فيضرب ويخدش وتأتيه الذبحة الصدرية أو الضغط وتصلب الشرايين ولو مات مات في غير سبيل الله، وبين من حركته كلها لله، فأمر المؤمن كله عجب وليس ذلك إلا لحركته، فهو يتقلب في أنوار خمسة، فكلامه نور، ومجلسه نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، وقبره وعلى الصراط نور.
أما الكافر فهو يتقلب في ظلمات خمس، فكلامه ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومجلسه ظلمة، وقبره وعلى الصراط ظلمة.
اللهم أنر لنا طريقنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين! إذاً: الجنة لا تكلفك شيئاً، لكن النار تكلفك أن تذهب وتشتري مخدرات وخمراً، وتقطع تذكرة السينما وتقف وتشاهد وتتعب، كما قال تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦] فإن كان خيراً فستجده مسجلاً في كتاب الحسنات، ونسأل الله أن تكون كل أعمالنا خيراً.
فالله عز وجل أحاط الجنة بالمكاره، فالجنة تريد صبراً، ومثابرة وقيام ليل، فشرف المؤمن في قيام الليل، وشرف المؤمن أن الملائكة تشير إليه وتقول: هذا هو الطاهر الشريف، والملك الآخر يقول: هذا فلان من أمة محمد يصلي في الليل، فهو يبدد الظلمة بالأنوار الإيمانية، اللهم أضئ لنا بيوتنا يا رب العالمين بالإيمان! (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق لتفاضل ما بينهم)، ونحن نرى الكواكب المنيرة في السماء، ونرى الذي يقوم الليل مثل النجم، وتصلي الملائكة على أصحاب هذه البيوت وتدعو لهم بالخير، اللهم اجعلنا ممن تدعو لهم الملائكة يا رب العالمين!