للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نصح مؤمن آل فرعون لقومه]

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٣٨].

هنا يرد على فرعون في قوله: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٢٩] فمؤمن آل فرعون يرد عليه ويقول: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٣٨].

ثم قال: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} [غافر:٣٩] فالقلم الذي في جيبي متاع، والبساط الذي أجلس عليه متاع، وهذا الكرسي متاع يزول، فالحياة الدنيا متاع تزول، سبحان الله! قال تعالى: {وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:٣٩] القرار يعني: الاستمرارية والاستقرار فيها.

قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى} [غافر:٤٠].

الذي يعمل سيئة يأخذ سيئة، ومن عمل شراً فلن يجني من الشوك العنب، ومن زرع بطيخاً خرج بطيخاً.

قال تعالى: {فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:٤٠] هنا جاء لذكر الجنة، فالذي يعمل صالحاً وهو مؤمن، وهل هناك من يعمل صالحاً وهو غير مؤمن، مثل أديسون صاحب الكهرباء عمله هذا صالح، ولكنه ليس مؤمناً، فسيؤتى به يوم القيامة ويقال له: أنت من؟ فيقول: أنا أديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي، فيقال له: أنت عملته لماذا؟ فيقول: عملته من أجل الإنسانية المعذبة، فيقال له: والإنسانية المعذبة ذكرتك بالخير أو لا؟ فيقول: نعم ذكرتني بالخير، فيقال له: إذاً: أخذت نصيبك، وإنما صنعت ليقال: عالم.

ولو كان مسلماً لحسب له على كل نور صدقة جارية.

قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:٤٠]؛ وفي الدنيا تأخذ مرتبك على قدر السلم الوظيفي الذي لك، فواحد يأخذ ثلاثين جنيه، وآخر يأخذ مائة جنيه، وثالث يأخذ ألف دولار، والرابع يأخذ خمسة آلاف.

ولكن في الجنة تأخذ بغير حساب.

قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:٤١].

وما أجمل هذا الكلام! فهو يقول لهم: أنا أقول لكم تعالوا، فإن تبعتموني واتبعتم هذا الرجل دخلتم الجنة، وسمى الجنة نجاة، قال: {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:٤١] وهم لم يقولوا له: تعال ادخل النار؟ لا، وإنما قالوا له: ابق معنا، كما لو دعاك أخوك؛ لأن بنته ستتزوج في الهيلتون في قاعة سبعة آلاف لليوم والليلة، فهؤلاء لا يدعونك لعرس، وإنما يدعونك دعوة إلى النار.

قال تعالى: {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ} [غافر:٤٢] وهم لم يقولوا له: تعال اكفر بالله، وإنما قالوا له: تعال اعمل معنا مثل ما نعمل.

وهذه هي دعوة الكفر والعياذ بالله، وهي تبتدئ هكذا، فتجد المسلم الشاب يكون ولداً صالحاً وبعيداً، وولد يقول له: اشرب الدخان، حتى تبقى رجلاً، وخذ من أنفك، فيبدأ الولد تدريجياً حتى يبتلى، فيقال له: أنا لم أضربك على يدك، وكذلك يبتلى من الملصقات التي يجدها في البسكويتات وفي الشوكلاتات وغيرها ويصلقها على يده، وهذه الملصقات فيها أشياء معينة تصنعها مؤسسة يهودية عالمية، وتعمل الصمغ الذي في هذه الملصقات، وتضع فيه شيء من المخدر الذي يؤثر على الجلد، الذي بعد مدة تجعل الولد مدمناً على المخدرات.

وما الفائدة إذا كنت تبني وغيرك يهدم، فأنت تبني الولد في المسجد وتقول له الكلام والمبادئ والمثل، وهو يعرف أن الراقصة في نصف ساعة تأخذ عشرة آلاف جنيه، ولو أن أباه وعائلته لا يأتون بعشرة آلاف مليم فإنه يصبح غلبان.

فلا راحة لهذا الشعب ولا أي شعب مسلم إلا بالعودة إلى كتاب الله والسير على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [غافر:٤١ - ٤٢]، أي: أنا أقول لكم: تعالوا إلى العزة؛ لأن العز كل العز في طاعة الله، والذل كل الذل في معصية الله، وسبحان من أعز الذليل بطاعته! وأذل العزيز بمعصيته! سبحان الله! قال تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} [غافر:٤٣].

فهذا الكلام الذي تقولونه لي ليس له وجه من الصحة لا في الدنيا ولا في الآخرة، فالانحراف والفسق والفجور والبعد عن طريق الله ليس له دعوة لا في الدنيا ولا في الآخرة.

قال تعالى: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} [غافر:٤٣] فمرجعنا كلنا إلى الدار الآخرة.

قال تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} [غافر:٤٣ - ٤٤] فعندما تأتي الآخرة ستعرفون أن هذا الكلام حق.

ثم قال بعد ذلك: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤]، لأنهم قرروا قتله، فقال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر:٤٤].

قال تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:٤٥] فنجاه الله بقوله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} بصدق، وكان الله معه، وجربها وسترى، وأنت كمسلم تيقن بالله عز وجل وتوكل عليه حق التوكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>