للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف من المخلوق وعدم الخوف من الخالق]

من ضمن موجبات عذاب القبر: الخوف من المخلوق وعدم الخوف من الخالق، وأغلبنا للأسف يخاف من المخلوق ولا يخاف من الخالق، فالمرتكب للكبيرة دائم الخوف من المخلوقين، فمثلاً: الذي يرتكب كبيرة من الكبائر في مكان لا يراه فيه أحد، فلو أن جرس المكان الذي هو فيه رن فإن قلبه يكاد يختلع خوفاً، فمثل هذا خاف من المخلوق، والله يرى الإنسان من أول المعصية وهو الخالق، فيكون بذلك قد خاف من المخلوق ولم يخف من الخالق، واستعظم أمر المخلوق واستقل من أمر الخالق، ومن قلة الأدب أن الإنسان يخاف من عبد لا يملك لنفسه فتيلاً ولا نقيراً ولا قطميراً، ولا يخاف من الخالق، وهذا أمر خطير.

قال أهل العلم: اهتزاز قلبك عندما اهتز الستر الذي بينك وبين الناس أثناء ارتكاب المعصية، ولم يهتز قلبك خوفاً من الخالق سبحانه دليل على انطماس البصيرة.

ومن خاف من الخالق أخاف الله منه المخلوقات كلها، فهذا سيدنا سهل بن عبد الله أحد الصالحين، كان في الجبل يحتطب، فأخذ حزمة من الحطب وأراد أن يضعها على حماره، فوجد الأسد قد قتل الحمار وأخذ يأكل منه، فسجد لله ودعا قائلاً: وعزتك وجلالك! لن أحمل حطبي إلا فوق من أكل حماري، فجاء الأسد إلى سهل بن عبد الله وكأنه كلب معلم، فوضع الحطب عليه وعاد إلى البيت، فاستغرب الناس من منظر الأسد والحطب فوقه، فقال سهل: نحن قوم نخاف من الخالق فطوع لنا المخلوقات كلها.

فالمخلوقات صارت مطوعة له؛ لأنه يخاف من الخالق، ولذلك فإن المسلم إذا خاف من الخالق فإن الكل يحترمه ويحبه ويخاف منه، ومن اتقى الله أحبه الناس شاءوا أم أبوا.

ويدخل تحت ذلك من موجبات عذاب القبر: من يقدم كلام المخلوق على كلام الخالق، بمعنى أنه يصدق الحالف بغير الله ولا يصدق الحالف بالله، والمؤمن لا يتلاعب بالأيمان، {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:٢٢٤]، فلا يكثر الإنسان من الحلف؛ لأن كثير الحلف يعرف أنه كذاب، قال تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:١٠]، وكأن الحلاف يهون عند الله بسبب كثرة أيمانه.

ولذلك إخوة يوسف عندما كانوا كذابين أكثروا من الحلف، ولما كانوا صادقين ما حلفوا، {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:١٧]؛ لأن ما خرج من القلب وصل إلى القلب.

وعندما كانوا صادقين في المرة الثانية، قال لهم: أخوهم الكبير: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} [يوسف:٨١]، وفي قراءة: {إِنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:٨١ - ٨٢]، فهنا معهم شهود، لكن في المرة الأولى قال: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف:١٧]، إذاً القرآن يعطينا حقائق غريبة.

فمن يقدم كلام الخالق على كلام المخلوق، ومن يصدق كلام المخلوق ويكذب الحلف بالله عز وجل، ومن لا يتأثر بآيات القرآن ويتأثر بمزامير الشيطان من أغاني وغيرها من أنواع الطرب فإن هذا موجب لعذاب الله في القبر.