[الصحابة قدوة في قول الحق عند الخلفاء]
ولعلنا رأينا سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما استوقف عمر بن الخطاب وهو يخطب على المنبر قائلاً: أيها الناس! اجلسوا واستمعوا، فقال سعد: يا أمير المؤمنين! لا جلوس ولا استماع، لماذا لن تجلس ولن تسمع؟ قال: وزعت من بيت المال على كل واحد منا ثوباً، وأنت رجل طويل فمن أين جئت ببقية ثوبك؟ فينادي عمر عبد الله ابنه ويقول: يا عبد الله بن عمر أجب عمك، قال له: أعطيت ثوبي لأبي فأكمل ثوبه، قال: الآن نجلس ونستمع، نعم، هذا هو الدين، هذا هو التبليغ، وقد قال عمر رضي الله عنه: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
فما دمتم تروني أمشي فيما يرضي الله، إذاً فعليكم بطاعتي ولا تعصوني، وعندما تروني منحرفاً -أقول لكم كلاما وأعمل خلافه- فليس لكم طاعة علي.
قال حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه: يا أمير المؤمنين! والذي بعث محمداً بالحق نبياً لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فتبسم عمر وقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها، رضي الله عن صحابة رسول الله.
اللهم احشرنا في زمرتهم، واجعلنا من جيرانهم في الجنة، واجعلنا من الذين يكونون تحت لواء رسولك صلى الله عليه وسلم، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير.
إذاً: أخطر المواقف في الحساب مظالم العباد، حتى إن كثيراً من الآباء والأمهات لهم حقوق عند أولادهم، فالحقوق هذه يأخذون بها حسنات، ويتمنى الأب والأم أن يكون لهما من الحقوق عند ابنهما أكثر من هذا، إذاً أين العاطفة؟ أين الحنان؟ لأن الكل يقول: نفسي نفسي نفسي نفسي، لا يوجد أم ولا أب ولا غيرهما، سبحان الله فأنت لا تعرف أباك ولا أمك، ولا هما يعرفانك هناك، ويعرفك امرأتك ولا ابنك ولا عمك ولا مديرك أبداً! قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٧] فكل طير معلق بعرقوبه {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج:١٠] لا يوجد أحد يسأل عن الثاني {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الزخرف:٦٧] كلهم أعداء، الأصدقاء والصداقات كلها انقلبت إلى عداوات {إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧]، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! إذاً: أنت عندما تصاحب الأتقياء فإنهم سيشفعون لك يوم القيامة، وأحياناً يكون هناك شخص ظلمك، ولكن هذا الظالم صنع خيراً كثيراً بينه وبين ربه، ومظلمتك صغيرة ماذا يعمل يوم القيامة؟ يأتي الله عز وجل أول ما يفصل في مظالم العباد فيقول: عبدي ما لك عنده؟ فيقول له: يا رب! باعني كذا وغشني في البيع مثلاً، باعني سيارة أو أرضاً وإذا بها مزورة وأخذ مالي ظلماً.
وكل شيء هناك بالميزان قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:٤٧] حتى إن الله عز وجل ليأخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، إذاً: إذا أخذت من مال أخواتك في ميراث أو غيره حتى الدانق الذي يساوي اثنين مليم مصري يؤخذ منك مقابله يوم القيامة، فتأخذ بقية حسناتك مقابل الاثنين دانق، فيؤخذ منك ثواب سبعمائة صلاة مفروضة مقبولة، وكم صلاة تصلي في الشهر؟ مائة وخمسين صلاة.
أكلت (١٠٠٠٠) جنيه كم سيؤخذ منك حسنات؟ ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار).
فبعد ما يأخذ العبد مظلمته يقول له: عبدي! فيقول: نعم يا رب! فيقول: هل رضيت؟ يقول: لا زلت يا رب لم أرض بعد، فيقول الظالم: يا رب! لقد أخذ كل حسناتي، فيقول الله للعبد المظلوم: لقد أخذت كل حسناته فيقول المظلوم: يا رب! خذ من أوزاري وضعها عليه، فيأخذ الله من أوزاره، إذاً هو يأخذ أوزاره أساساً؟ وأوزار من ظلمهم.
لكن هذا الظالم كان يصنع الخير في الناس فيقول الله للمظلوم: انظر خلفك، فينظر المظلوم خلفه، ويقول الله: عبدي ماذا ترى؟! فيقول: يا رب! أرى قصوراً من ذهب لها حلل من فضة وزبرجد لأي نبي هذه؟ أم لأي شهيد؟ أم لأي صديق؟ فيقول له: لا لنبي ولا لشهيد ولا لصديق، إنما لمن يعطيني الثمن؟ قال: وما ثمنه؟ قال: أن تعفو عن أخيك، قال: عفوت عنه، قال: خذ بيد أخيك إلى الجنة.
قال الإمام الشافعي: من واجب الناس أن يتوبوا، لكن ترك الذنوب أوجب.
يعني: الواجب أنني عندما أعمل خطأ أتوب منه، لكن من الأفضل أنني لا أعمل الخطأ.
أول ما يقضى بين الناس في المظالم في الدماء، فأول شيء يحاسبون عليه الدماء، القتل المادي والقتل المعنوي، القتل المادي: كأن يكون شخص أخذ سكيناً أو عصا فقتل أحداً أو صدمه بسيارة متعمداً حتى يريح الدولة منه، المهم بأي طريقة قتل فإن أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء، فيؤتى بالقتيل يحمل رأسه على كفه، تمتلئ أوداجه دماً يقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ حتى إن سبعة من أهل اليمن اجتمعوا على قتل رجل، فقتل عمر السبعة كلهم، فقيل له: أتقتل سبعة في واحد؟ فقال: لو اجتمع على قتله أهل اليمن لقتلتهم جميعاً، لكن في القانون الوضعي يقول لك: الذي حرض على القتل هذا لا دخل له.
الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله.
يعني: أنت لو قلت لشخص: هناك درس علمي في المكان الفلاني، فذهب هذا الشخص فإنه يكون له مثل أجره.
ولو أن أحداً قال لآخر: هناك مقطع فلم في السينما جميل، ولم يذهب هذا الذي دل عليه، لكنه حصل على ذنب الذي دله فذهب؛ فالدال على الشر كفاعله! يقول المقتول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله: لم قتلته؟ فيقول: يا رب! قتلته لتكون كلمتك هي العليا، قال: صدق عبدي، أدخلوا القاتل الجنة؛ لأنه قاتل في سبيل الله، واحد قاتل في سبيل الله ومنع شراً عن المسلمين هذا في الجنة إن شاء الله، أما الثاني فيقال: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون لي الكلمة العليا أو تكون العزة لي، فيسحب إلى النار والعياذ بالله!