سيدنا موسى ذهب هو وأخوه هارون إلى فرعون وملئه، فقام يدعوهم، وجلس فرعون يستشير حاشية السوء، وأي حاكم على مستوى التاريخ كله له بطانتان، بطانة خير تحضه على الخير والحق، وبطانة شر تحضه على الشر والسوء، فأيهما غلب غلب، فلو كانوا أهل خير فسيدلونه على الخير، ولو كانوا أهل شر فسيأخذونه دائماً ويزينون له المعصية.
والمرأة لما دخلت على الحجاج بن يوسف فوعظته وأغلظت في الموعظة، فقال الذين حول الحجاج: اقتلها يا أمير! تتجرأ وتكلم الرأس الكبير بلا أدب، فتبسمت المسلمة وقالت: أصحاب أخيك فرعون كانوا أفضل من أصحابك.
فقال: لماذا؟ قالت: حاشية فرعون قالوا لـ فرعون: {أَرْجِه وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}[الشعراء:٣٦ - ٣٧]، يعني: أنظره قليلاً، واعرض الوجه الآخر والرأي الآخر.
ونحن نقول دائماً: إن كثيراً من حكام عصرنا في البلاد التي تقول: إنها إسلامية لا يوجد عندهم ربع ديمقراطية فرعون، فإن فرعون المتجبر كان عنده ديمقراطية، فقد أراد أن ينتظر قليلاً؛ لكي يعرضوا وجه النظر الآخر.