[قضية البعث وتوجه الناس إلى المحشر]
الحمد لله حمد عباده الشاكرين، حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة العاشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، فهذا يوم مبارك وهو يوم عاشوراء الذي من صامه إيماناً بالله واحتساباً فقد غفر له ذنوب سنة مضت، فاللهم اجعلنا من الذين تقبلت منهم يا رب العالمين! اللهم تقبلنا في هذا اليوم الكريم، اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا، واغفر يا مولانا بفضلك زلاتنا وآثامنا، وأعتق من النيران رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأصحاب الحقوق علينا، فرج اللهم الكرب عن المكروبين، وسد الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، ويسر أمورنا وأمور المسلمين، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
أكرمنا ولا تهنا، أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، كن لنا ولا تكن علينا، آثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، انزع اللهم الحقد والحسد والضغينة من قلوب المسلمين، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا.
اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، ومن المتزاورين فيك، ومن المتجالسين فيك، اللهم حببنا بحبك فيمن أحببت، وبغضنا ببغضك فيمن أبغضت، اللهم حببنا إلى الحلال وبارك لنا فيه وحببه إلينا وإن كان قليلاً، وباعد بيننا وبين الحرام يا رب! بعد المشرقين وبغضنا إليه وإن كان كثيراً، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، نعوذ بك من عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا تشبع، ومن دعاء لا يُسمع، نسألك من خير ما علمنا وما لم نعلم، ونعوذ بك من شر ما نعلم وما لا نعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، انصر الإسلام والمسلمين، انصر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، واجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.
اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، تعلم يا مولانا أننا مقهورون فانصرنا، أذلاء فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا.
اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، ولا خزايا ولا ندامى ولا مبدلين.
يا أرحم الراحمين ارحمنا! يا أرحم الراحمين ارحمنا! يا أرحم الراحمين ارحمنا! لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين! أكرمنا بكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم أكرمنا يا أكرم الأكرمين! اللهم توفنا على الإيمان واحشرنا في زمرة المؤمنين، واجعلنا للمتقين إماماً، ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظله، واسقنا من حوض الكوثر شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.
اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:١٠].
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
توقفنا في الحلقة السابقة عند الحديث عن البعث من القبور، وتوجه العباد إلى أرض المحشر وقد وصفها لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها أرض بيضاء نقية لم ترتكب عليها معصية قط، ولم يسفك عليها دم قط، ولم يظلم إنسان عليها قط، ولم تقع عليها أي بلية قط، إنما هي أرض جديدة خلقها الله سبحانه وتعالى ليحاسب العباد عليها.
إن أرض المحشر كما قلنا لا ندري أين مكانها، ولكن سوف يدلنا أهل الخير والعلماء الصالحون العاملون بعلمهم، وسوف يقومون بعمل الأدلاء أو المرشدين إلى أرض المحشر، حيث نخرج جميعاً من الأجداث سراعاً كأننا إلى نصب نوفض، أو كأننا جراد منتشر، وهنا إذا صيح بنا الصيحة الثانية ينادي المنادي من قِبل العلي الأعلى: أيتها العظام النخرة! أيتها اللحوم المتناثرة! أيتها الأعضاء المتفرقة! قومي لفصل القضاء أمام الله رب العالمين.
وسوف نسرع ما بين راكب وماشٍ، وسائر على وجهه والعياذ بالله رب العالمين، حتى إن الصحابة الذين لا يجادلون أبداً تعجبوا وقالوا: يا رسول الله! كيف يمشون على وجوههم؟ قال: (الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم) وذلك لأن هذا الإنسان الذي سيمشي على وجهه والعياذ بالله يوم القيامة كان دائماً لا ينظر إلى الإسلام ولا إلى المسلمين، وإنما ينظر لمصلحته لا غير، ويرى مهمته فقط، فلم ينظر إلى مسلم برحمة، ولا إلى أرملة مسكينة برحمة، ولا إلى يتامى بشفقة، ولا إلى موظف مسكين يقف بجانبه، ولا إلى مظلوم، وإنما كان ينافق ويظهر ما لا يبطن.
إنَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يعلم أبا ذر وبالتالي يعلمنا أن الإنسان المسلم الصادق في إسلامه يجب أن يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم؛ لأن قول الحق لا يقرب أجلاً، فأنت إذا رأيت ما يجب أن تقوله بحق وبصدق يجب أن تقول ولا تخاف أبداً أن يزج بك في سجن، أو تصاب في رزقك أو في ولدك، أو تعجل عليك المنية، كلا! فقل الحق، وإن مت فبقضاء الله عز وجل وأنت مع حمزة رضي الله عنه في الجنة، فخير الشهداء حمزة ورجل دخل على حاكم ظالم فوعظه فقتله.
إذاً: هؤلاء سوف يُحشرون على وجوههم والعياذ بالله رب العالمين، ومنظر بشع أن يسحب الإنسان على وجهه، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:٢٢] فأيهما أهدى وأفضل؟ الذي يمشي في الحياة مستقيماً على الصراط القويم، أم ذلك الذي يمشي مكباً على وجهه لا يرى الحق حقاً، وإنما يرى الحق باطلاً، ويرى الباطل حقاً.
إنَّ في زمننا هذا إذا رأت العائلة واحدة قد هداها الله إلى الحجاب وقفت ضدها وقالت: هذا غلط، هذا تطرف، هذا تشدد! إذاً والتي تنام على الشاطئ عريانة أليس ذلك تطرفاً؟ أليس ذلك تشدداً في الانفلات؟ أليس تشدداً في الانحراف؟ أليس ذلك تشدداً في التمسك بإبليس وأعوانه؟ لماذا التشدد يذكر عند المؤمنين والمؤمنات ولا يذكر عند الفاسقين والفاسقات، والفاجرين والفاجرات؟ لماذا عندما نلقى شاباً صالحاً يرتاد المسجد ويواظب على دروس العلم، نصفه بأوصاف سيئة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) فالمعروف صار في زمننا منكراً، والمنكر صار في زمننا معروفاً؛ لأن الناس قد ساروا على روسهم لا على أرجلهم فرأوا الحقائق مقلوبة، فهم لا يعيشون على منهج الكتاب والسنة، بل يعيشون في هذا الوقت مشاش على روسهم، فرأوا حقائق الأمور مقلوبة، رأوا الحق باطلاً والباطل حقاً، ورأوا الاستقامة انحرافاً والانحراف استقامة.
إذا وعظت مدير مكتب وقلت له: لماذا تريدون سكرتيرة حسنة المظهر؟ قال: أريد أن أجلب بها الزبائن، والكارثة أن البنات يتسابقن أيتهن تفوز بمنصب السكرتيرة أو مديرة المكتب، فإن قلت له: لا بد أن يكون الموظف رجلاً حتى على الأقل لو تأخر مجلس الإدارة في الليل لاجتماع إلى الساعة الواحدة، أفضل من أن تتأخر الفتاة أو الأم عن أبنائها، فالرجل أفضل لأنه يتحمل ويصبر على الأوامر القاسية، لكن المرأة ضعيفة وفي نفس الوقت تخلو أنت بها في المكتب ومعكما الشيطان، فتراه يتأفف من هذا الوعظ؛ لأنه لا يحب هذا الحديث؛ فهو يرى الحق باطلاً، ويرى الحقيقة عرجاء، ويرى الأمر الأعرج الكسيح المشوه مكتملاً، فهو يرى أن هذا هو الصواب، أما ما تراه أنت فهو خطأ؛ فهذا من الذين يسحبون على وجوههم يوم القيامة؛ لأنه لا يرى إلا أن يقلب الحقائق، والموظف الذي تحت يديه مال لوزير أو مدير، فتراه ينافق ويضر الناس؛ حتى لا يصل إليه إلا كل مدح وصفة طيبة، من الذين يحشرون على وجوههم يوم القيامة.
يحكى أن الفضيل بن عياض رحمه الله وعظ هارون الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين! إن ملكاً من ملوك الصين وكان رجلاً عادلاً أصيب بالصمم، فكان لا يسمع شكوى الشاكين، فأذن بمؤذن في البلاد: من كان ذو ظلامة يلبس يوم كذا ثوباً أحمر فكان الفضيل يقول: يا أمير المؤمنين! هذا رجل مشرك ولكنه يعدل بين الناس.
وأمة العدل الكافرة تستمر، وأمة الظلم المسلمة تضمحل، ولزوال الأرض والسماوات بما فيهن أهون عند الله من إراقة دم مسلم بريء.
فهؤلاء -أي الذين يريقون دماء المسلمين البرآء- من الذين سوف يكبون على وجوههم في النار يوم القيامة، وقبل أن يكب على وجهه في النار يمشي مكباً على وجهه من القبر إلى أرض المحشر والعياذ بالله نستعيذ بالله وإياكم من هؤلاء ومن هذه الأعمال، وحشرنا الله في زمرة الصالحين المؤمنين المتقين.
قلنا: إن الناس سوف يحشرون على هيئات ثلاث: صنف راكب، وصنف ماشٍ، وصنف يمشي مكباً على وجهه؛ ونحن الآن في أو