[ذكر اطلاع أهل الجنة على أهل النار]
قال تعالى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:٥٤]، أي: هل تنظرون نظرة، ومعلوم أن بين أهل الجنة وأهل النار سوراً باطنه فيه الرحمة من جهة أهل النعيم وظاهره من ناحية أهل الجحيم عذاب، قال تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الأعراف:٤٦] يمنع النعيم عن أهل الجحيم ويمنع العذاب عن الأحباب، فهذا الحجاب لا يوصل النعيم لأصحاب الجحيم؛ لأن الشقي -والعياذ بالله- من ساءت خاتمته، والسعيد من حسنت خاتمته.
اللهم أسعد ختامنا يا رب العالمين! قال تعالى: {فَاطَّلَعَ} [الصافات:٥٥] أي: نظر ذلك الرجل الذي كان يسأل: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:٥١]، أي: كان لي صديق في الدنيا أبحث عنه في الجنة ولم أره، قال تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٥٥] انظر عندما رآه لم يحزن عليه؛ لأن العواطف منزوعة هنالك، نفرض أن رجلاً صالحاً لديه ابن منحرف، الأب الصالح دخل الجنة والابن المنحرف دخل النار، فلو كان هنالك عواطف في الجنة، هل سيحزن الأب على الابن أو لا؟ نعم سيحزن، ولكن الجنة هل فيها حزن أو ليس فيها حزن؟
الجواب
لا يوجد حزن، الحزن في الدنيا فقط، إذاً لا تخف من هذه النقطة، يعني: عندما ترى ابنك لم يستقم أو امرأتك، أو المرأة ترى أن زوجها لا يريد الاستقامة فلا أحد يحزن، لأن الله عز وجل يدبر الأمر من قبل ومن بعد.
قال تعالى: {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:٥٦] أي: إنك كنت ستوقعني في مصيبة ومهلكة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله) فلابد أن تنظر إلى ابنك من يصاحب في المدرسة، وابنتك من تصاحب في الجامعة، لابد من أنك ترى، أليست هي مسئولة، وأنت مسئول؟ أم أننا ننجب أبناء ويكفي؟! انظر أولاً: الولد من هو صاحبه؟ من هو أبوه؟ فقد يكون أبوه تاجر مخدرات، وقد تكون أمه كذا وكذا، مثلاً، لابد أن تدقق النظر؛ لأنها مسئولية، وعندما ينحرف الولد ويحمل ذنوباً يأتي يوم القيامة يتعلق برقبتك ويقول: أبي رآني على الخطأ فما نهاني، خذوا ذنوبي له، ورغم ذلك لا ينجو هو يوم القيامة.
قال تعالى: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:٥٧] أي: في النار والعياذ بالله، والمعنى: لولا أن الله أكرمني بالتقوى والإيمان والهداية وأكرمني بأهل الخير الذين أخذوا بيدي، لكنا كلنا ضالين والعياذ بالله.
قال تعالى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات:٥٨ - ٥٩] هؤلاء الكفار والعياذ الله.
قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:٦٠ - ٦١].
فانتبه أن تظن أن الفوز العظيم الذي يأخذ شهادة استثمار بمائة ألف جنيه، فهذا ليس فوزاً بل هذا أكبر خسارة، لكن الفوز: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥] هذا هو الفوز الحقيقي.
ذكر أن الحجاج قال لرجل: إن هذا اليوم حار فلا داعي للصيام فيه؟ قال: صمت ليوم هو أشد منه حراً، فقال له: كل هذا اليوم وصم غداً، قال له: هل يضمن لي الأمير أن أعيش إلى الغد، إذاً: لا يضمن، ومادام لا يضمن فلابد أن أعمل في هذا الوقت خيراً، فأنا لا أضمن أن أعيش إلى الصباح، ومن يضمن منا لنفسه أن يعيش إلى الإثنين القادم؟ فسبحان من يرث الأرض ومن عليها.