قال ابن الأثير: ومن مليحه قول أبي العتاهية:
أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التمائم والنشر.
سنرقيك بالأشعار حتى تملها ... فإن لم تفق منه رقيناك بالسور.
وأنشد ابن المعتز لأبي العتاهية أيضاً في هذا النوع:
أرقيك أرقيك باسم الله أرقيكا ... من بخل نفسك عل الله يشفيك.
ما سلم كفك إلا من يناوئها=ولا عدوك إلا من يرجيك.
ومنه قول أبي عبد الله حسين بن أحمد بن الحجاج، وقد حصل في دعوة رجل، فأخر طعامه إلى المساء، وجعل يجيء ويذهب في داره:
يا ذاهبا في داره جائيا ... بغير ما معنى ولا فائدة.
قد جن أضيافك من جوعهم ... فقرأ عليهم سور المائدة.
ومن لطيفة قول اللحام في أبي طلحة قسورة بن محمد وكان كوسجا:
ويك يا أبا طلحة مل تستحي ... بلغت ستين ولم تلتح.
ومنه في غير الهجو قول الشريف أبي يعلي ابن الهبارية:
يقول أبو سعيد إذ رآني ... عفيفا منذ عام ما شربت.
على يد أي شيخ تبت قل لي ... فقلت على يد الإفلاس تبت.
فإن هذه ظاهره المجون والخلاعة، والمراد هنا الجد، لأن المقصود شكوى الإفلاس.
وفي معناه للهباء زهير:
قالوا فلان قد غدا تائبا ... واليوم قد صلى مع الناس.
قلت متى كان وأتى له ... وكيف ينسى لذة الكاس.
أمس بهذي العين أبصرته ... سكران بين الورد والآس.
ورحت عن توبته سائلا ... وجدتها توبة إفلاس.
وقول أبي نواس في النسيب:
الجار أبلاني لا الجاره ... بحسن وجه مستوى الداره.
أبيت من وجد به مدنفا ... كأنما السعت جراره.
كفى بلاء حب من لا أرى ... ونحن في حيه وفي حاره.
أنا الذي أصلى بنار الهوى ... وحدي والعشاق نظاره.
تلعب الحب بقلبي كما ... تلعب السنور بالفاره.
ومن طريف هذا النوع قول بديع الزمان المهذاني لمستميح عاوده مرارا وقال له: لما لا تجود بالذهب في الإحسان كمثل الأشجار في الثمار، سبيله إذا أتى بالحسنى، أن يرفه من سنة إلى سنة، وأنا كما ذكرت لا أملك عضوين من جسدي، وهما فؤادي ويدي، أما الفؤاد فيعلق بالوفود، وأما اليد فتولع بالجود، ولكن هذا الخلق النفيس، لا يساعده الكيس، وهذا الطبع الكريم، لا يحتمله الغريم؛ ولا قرابة بين الذهب والأدب فلم قرنت بينهما؟ والأدي لا يمكن ثرده في قصعة، ولا صرفه في ثمن سلعة، ولي مع الأدب نادرة، جهدت في هذه الأيام بالطباخ أن يطبخ من رائية الشماخ فلم يفعل، وبالقصاب أن يسمع أدب الكتاب فلم يقبل، واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت، فأنشدت من شعر الكميت ألف ومائتي بيت فلم يغن، ولو دفعت أرجوزة العجاج في ثمن السكباج ما عدمتها عندي، ولكن ليست تنفع فما أصنع، فإن كنت تحسب إختلافك إلي إفضالا علي، فراحتي في أن لا تطرح ساحتي، وفرجي في أن لا تجيز ومنه أيضاً رقعة كتبها الوزير لسان الدين بن الخطيب، إلى أبي عبد الله بن محمد قاسم السديد، وقد فوض إليه النظر في أمور الحسبة ببلده وهي:
يا أيها المحتسب الجزل ... ومن لديه الجد والهزل.
تهنيك والشكر لمولى الورى ... ولاية ليس له عزل.