كتبت أيها المحتسب، المنتمي إلى النزاهة المنتسب، أهنيك ببلوغ تمنيك فكأنني بك وقد طافت بركابك الباعة، ولزم أمرك السمع والطاعة، وارتفعت في مصانعتك الطماعة، وأخذت أهل الريب بغتة كما تقوم الساعة، ونهضت تقعد وتقيم؛ وسطوتك الريح العقيم، وبين يديك القسطاس المستقيم. ولا بد من شرك ينصب، وجماعة على ذي جاه تعصب. فإن غضضت طرفك، أمنت عن الولاية صرفك، وإن كففن كفك، حفك العز فيمن حفك. فكن لقالي الجبينة قاليا، ولحوت السلة ساليا. وابد للدقيق الحواري زهد حواري، وازهد فيما بأيدي الناس من العواري، وسر في اجتناب الحلوى على السبيل السوي. وارفض في الشوى دواعي الهوى، وكن على الهراس، وصاحب ثريد الرأس، صاحب مراس، شدي البأس، وثب على طبيخ الأعراس؛ ليثا مرهوب الافتراس. وأدب أطفال الفسوق في السوق، سيما من كان قبل البلوغ والبسوق، وصمم على استخراج الحقوق. والناس أصناف، فمنه خسيس يطمع منك في أكله، ومستعد عليك بوكزة أو ركلة. وحاسد في مطية تركب، وعطية تسكب. فاخفض للحاسد جناحك وسدد إلى حربه رماحك، أسبع الخسيس مرقة فأنه خنق، ودس له فيها عظما لعله يختنق. واحفر لشريرهم حفرة عميقة، فإن العدو حقيق. حتى إذا حصل، وأولياء الشيطان فانجح. والحق أقوى، وأن تعفوا أقرب إلى التقوى. سددك الله إلى غرض التوفيق، وأعلقك من الحق السبب الوثيق، وجعل قدومك مقررنا برخص اللحم والزيت والدقيق. انتهت.
وله أيضاً رسالة من هذا النوع، خاطب بها ابن خلدون صبيحة ابتنائه بسرية رومية، وقد اشتملت على مبدعات لطيفة، واحماضات ظريفة، وهي:
أوصيك بالشيخ أبي بكره ... لا تأمنن في حالة مكره.
واجتنب الشك إذا جئته ... جنبك الرحمن ما تكره.
سيدي لا زلت تتصف بالوالج، بين الخلاخل والدمالج، وتركض فوقها ركض الهمالج. أخبرني، كيف كانت الحال؟ وهل حطت بالقاع من خير البقاع الرحال؟ واحكم بمردود المراودة والاكتحال؟ وارتفع بالسقيا الإمحال، وصح الاتنحال؟ وحصحص الحق وذهب المحال؟ وقد طولعت بكل بشرى وبشر وزفت هند منك إلى بشر؟ فلله من عشية تمتعت من الربع بفرش موشية، وابتذلت منها أي وسادة وحشية وق أقبل ظبي الكناس من الديماس، ومطوق الحمام من الحمام. وقد حسنت الوجه الجميل التطرية، وأزيلت من الفرع الأثيث الإبرية، وصقلت الخدود فكأنها الأمرية. وسلط الدلك على الجلود، وأغريت نورة بالشعر المولود. وعادت الأعضاء يزل عنها اللمس، ولا تنالها البنان الخمس. والسحنة يجول في صفحتها الفضية ماء النعيم، والمسواك يلبي من ثنية التنعيم، والقلب يرمى من الكف الرقيم، بالمقعد المقيم، وينظر إلى نجوم الوشوم، فيقول: إني سقيم. وقد تفتح ورد الخفر؛ وحكم لزنجي الضفيرة بالضفر، واتصف أمير الحسن بالصدود المغتفر، ورش بماء الطيب، ثم أعلق ببناه دخان العود الرطيب. وأقبلت الغادة، يهديه اليمن وتزفها السعادة؛ وهي تمشي على استحيا وقد ضاع طيب الريا، وراق حسن المحيا. حتى إذا نزع الخف، وقبلت الأكف، وصخب المزمار؛ وتجاوب الدف والطار وذاع الأرج، وارتفع الحرج؛ وتجووز اللوى والمنعرج؛ ونزل على بشر بزيارة هند الفرج، اهتزت الأرض وربت؛ وعوصيت الطباع البشرية فأبت، ولله در القائل:
ومرت فقالت متى نلتقي ... فهش اشتياقا إلى الخبيث.
وكاد يمزق سربال ... فقلت إليك يساق الحديث.
فلما انسدل جنح الظلام، وانتصف من غريم العشاء الأخيرة فريضة السلام، وخاطت خيوط المنام عيون المنام، تأتى دنو الجلسة، ومسارقة الخلسة. ثم عض النهد؛ وقبلة الفم والخد، وإرسال اليد من النجد غلى الوهد، وكانت الأمالة القليلة قبل المد. ثم الإفاضة فيما ينشط ويرغب، ثم الإماطة لما يشوش ويشغب، ثم أعمال المسير إلى السرير.
وصرنا إلى الحسنى وروقنا كلامنا ... ورضت فذلت صعبة أي إذلال.