وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار في جزل الغضا ... ما كان يعرف طيب عرف العود
وقول الآخر:
من عاشر الشرفاء شرف قدره ... ومعاشر السفهاء غير مشرف
فانظر إلى الجلد الحقير مقبلا ... بالثغر لما صار جار المصحف
وقول ابن الرومي:
وما الشرف الموروث لادّر درّه ... بمحتسب إلا بآخر مكتسب
إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتده الناس في الحطب
وقول التهامي:
لا تحسبن حسب الآباء مكرمة ... لمن يقصر عن غايات مجدهم
حسن الرجال بحسنى لا بحسنهم ... وطولهم في المعالي لا بطولهم
وقول أبي فراس:
كانت مودة سلمان لهم نسبا ... ولم تكن بين نوح وابنه رحم
وقول الآخر:
سأنفق ريعان الشبيبة آنفا ... على طلب العلياء أو طلب الأجر
أليس من الخسران أن لياليا ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وقول الآخر:
على المرء أن تسعى لما فيه نفعه ... وليس عليه أن يساعده الدهر
فأن نال بالسعي المنى تم أمره ... وأن عرض المقدور كان له عذر
وقول الآخر:
غرست غروسا كنت أرجو لقاحها ... آمل يوما أن تطيب جناتها
فأن أثمرت لي غير ما كنت آملا ... فلا ذنب لي أن حنظلت نخلاتها
وقول الآخر:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل ... أن المحامد والعلى أرزاق
فارغب بنفسك أن تكون مقصرا ... في غاية فيها الطلاب سباق
وقول العتابي يخاطب محبوبته:
تحبين أني نلت ما نال جعفر ... من الملك أو نال يحيى بن خالد
فقالت: نعم، فقال:
وأن أمير المؤمنين أحلني ... محلهما بالمرهفات البوارد
فقالت: لا، فقال:
دعيني ميتتي مطمئنة ... ولم أتجثم هول تلك الموارد
فأن جسيمات الأمور منوطة ... بمستودعات في بطون الأساود
هذه جملة ما أورده الطيبي من أمثال الحكمة، ونزيد نحن عليها فنقول: منها قول أبي الأسود الدؤلي لابنه، بعد أن قال له: يا بني إذا كنت في قوم فحدثهم على قدر سنك، وفاوضهم على قدر محلك، ولا تتكلمن بكلام من هو فوقك فيستقثلوك، ولا تنحط إلى من دونك فيحتقروك، فإذا وسع الله عليك فأبسط، وإذا أمسك عليك فامسك ولا تجاود الله أجود منك. واعلم أنه لا شيء كالاقتصاد، ولا معيشة كالتوسط، ولا عز كالعلم، إن الملوك حكام الناس، والعلماء حكام الملوك.
ثم أنشأ يقول:
العيش لا عيش إلا ما اقتصدت فان ... يسرف وتبذر لقيت الضر والعطبا
والعلم زين وتشريف لصاحبه ... فاطلب هديت فنون العلم والأدبا
لا خير فيمن له أصل بلا أدب ... حتى يكون على ما زانه حدبا
كم من حسيب أخي عي وطمطة ... فدم لدى القوم معروف إذا انتسبا
في بيت مكرمة آباؤه نجب ... كانوا رؤوسا فأمسى بعدهم ذنبا
وخامل مقرف الآباء ذي أرب ... نال المعالي بالآداب والرتبا
أضحى عزيزا عظيم الشأن مشتهرا ... في خده صعر قد ظل محتجبا
العلم كنز وذخر لا نفاذ له ... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا
قد يجمع ما لا ثم يسلبه ... عما قليل فيلقى الذل والحربا
وحامل العلم مغبوط به أبدا ... ولا يحاذر منه الفوت والسلبا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ... لا تعدلن به درا ولا ذهبا
وقول الآخر:
إذا قل ماء الوجه قل بهاؤه ... ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياؤك فاحفظه عليك فإنما ... يدل على فضل الكريم حياؤه
وقول ابن دريد في مقصورته:
من لم يعظه الدهر لم ينفعه ما ... راح به الواعظ يوما أوغدا
من لم تفده عبرا أيامه ... كان العمى أولى به من الهدى
من قاس ما لم يره بما رأى ... أراه ما يدنوا إليه ما نأى
من ملك الحرص القياد لم يزل ... يكرع في ماء من الذل صرى
من عارض الأطماع باليأس رنت ... إليه عين العز من حيث رنا
من عطف النفس على مكروهها ... كان الغنى قرينه حيث انتوى
من لم يقف عند انتهاء قدره ... تقاصرت عنه فسيحات الخطا
من ضيع الحزم جنى لنفسه ... ندامة ألذع من سفع الذكا