من ناط بالعجب عرى أخلاقه ... نيطت عرى المقت إلى تلك العرى
من طال فوق منتهى بسطته ... أعجزه نيل الدنا بله القصل
من رام ما يعجز عنه طوقه ... ملعب يوما آض مخزول المطا
والناس ألف منهم كواحد ... وواحد كالألف أن أمر عنى
وقول الشنفرى في لاميته وهي المعروفة بلامية العرب:
من الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متحول
لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ ... سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل
وقول مؤيد الدين الطغرائي في لامية العجم:
حب السلامة يثني هم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكسل
فأن جنحت إليه فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلما في الجو واعتزل
ودع غمار العلى للمقدمين على ... ركوبها واقتنع منهن بالبلل
ومنها:
أعدى عدوك أدنى من وثقت به ... فحاذر الناس واصحبهم على دخل
غاص الوفاء وفاض الغدر وانفرجت ... مسافة الخلف بين القول والعمل
وحسن ظنك بالأيام معجزة ... فظن شرا وكن منها على وجل
وقال آخر:
بقدر الصعود يكون الهبوط ... فإياك والرتب العالية
وكن في مكان إذا ما سقط ... ت تقوم ورجلاك في عافية
وقول ابن الشبل البغدادي وأجاد:
غاية الحزن والسرور انقضاء ... ما لحي من بعد ميت بقاء
غير أن الأموات مروا فأبقوا ... غصصا لا يسيغها الأحياء
نتمنى وفي المنى يذهب العم ... ر فيغدو بما يسر يساء
إنما الناس قادم إثر ماض ... بدء قوم لآخرين انتهاء
موت ذا العالم المؤيد بالنط ... ق وذا السارح البهيم سواء
لا شقي بفقده تبسم الأر ... ض ولا للتقى تبكي السماء
صحة المرء للسقام طريق ... وطريق الفناء هذا البقاء
بالذي نغتذي نموت ونحيا ... أقتل الداء للنفوس الدواء
ما لقينا من غدر دنيا فلا كانت ولا كان أخذها والعطاء
راجع جودها عليها فمهما ... يهب الصبح يسترد المساء
ليت شعري حلما تمر به الأي ... ام أم ليس تعقل الأشياء
من فساد يكون في عالم الكو ... ن فما للنفوس منه اتقاء
وقليلا ما تصحب المهجة الجس ... م ففيم الشقا وفيم العناء
قبح الله لذة لشقانا ... نالها الأمهات والآباء
نحن لولا الوجود لم نألم الفق ... د فإيجادنا علينا بلاء
وقول أبي تمام:
لا يمنعنك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان
تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلاُ بأهل وجيرانا بجيران
ومن الموعظة قول الصعلوكي:
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا أخضر منها جانب جف جانب
فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة ... على ذاهب منها فأنك ذاهب
وقال ابن المعتز:
نسير إلى الآجال في كل ساعة ... وأيامنا تطوى وهن مراحل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا ... فكيف به والشيب في الرأس شاعل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى ... فعمرك أيام تعد قلائل
وقال الآخر:
وما الليل والأيام إلا منازل ... يسير بها سار إلى الموت قاصد
فيا عجبا منها وتلك عجيبة ... منازل تسري والمسافر قاعد
وقال ابن هاني
وما الناس إلا ظاعن ومودع ... وثاوٍ قريح الجفن يبكي لراحل
وما هذه الأيام إلا كما ترى ... وهل نحن إلا كالقرون الأوائل
نساق من الدنيا إلى غير دائم ... ونبكي من الدنيا على غير طائل
فما عاجل نرجوه إلا كآجل ... ولا آجل نخشاه إلا كعاجل
وقيل عاش عبيد الجرهمي ثلثمائة سنة، وأدرك زمن معاوية، فدخل عليه وقال له معاوية: حدثني بأعجب ما رأيت، قال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا.
فاغرورقت عيناي وتمثلت بقول الشاعر:
يا قلب أنك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير
فلست تدري وما تدري أعاجلها ... أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير
واستقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير