تقلب عيني ظبية ترتعي الخلا ... وتحنو على رخص الشوى رشأ طفل
وتفتر عن كالأقحوان بروضة ... جلتها الصبا والمستهل من الوبل
أهيم بها في كل ممسى ومصبح ... وأكثر ذكراها إذا خدرت رجلي
قال أبو الحارث مولى بني مخزوم: اجتمع جميل وعمر بن أبي ربيعة بالأبطح، فأنشده جميل قوله:
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلاً يا جميل وإنني ... لأقسم ما لي عن بثينة من مهل
حتى أتى على آخر القصيدة، ثم قال لعمر: يا أبا الخطاب، هل قلت في هذا الروي شيئا؟ قال: نعم، وأنشده قوله (جرى ناصح بالود بيني وبينها) حتى أتى على آخرها، فقال له جميل: ما خاطب النساء مخاطبتك أحد لا والله، لا أقول أنا مثل هذا أبدا، ثم نهض.
وقال أبو الحسن المدائني: سمع الفرزدق عمرو بن ربيعة ينشد قصيدته:
جرى ناصح بالود بيني وبينها ... فقربني يوم الحساب إلى قتلي
فلما بلغ إلى قوله:
وقالت وأرخت جانب الستر إنما ... معي فتحدث غير ذي رقبة أهلي
حتى أنشد بعد هذا أربعة أبيات، فلما بلغ قوله (وانسبن انسياب مها الرمل) صاح الفرزدق وقال: هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته، وبكت على الديار والدمن.
ومن محاسن أمثلة نوع المراجعة قول وضاح اليمن في معشوقته روضة:
يا روض جيرانكم الباكر ... فالقلب لا لاه ولا صابر
قالت ألا لا تلجن دارنا ... أن أبانا رجل غائر
قلت فإني طالب غرة ... منه وسيفي صارم باتر
قالت فإن القصر من دوننا ... قلت فإني فوقه طافر
قالت فإن البحر من بيننا ... قلت فإني سابح ماهر
قالت فحولي أخوة سبعة ... قلت فإني غالب ظافر
قالت فليث رابض بيننا ... قلت فإني أسد عاقر
قالت فإن الله من فوقنا ... قلت فربي راحم غافر
قالت لقد أعييتنا حجة ... فأت إذا ما هجع السامر
واسقط علينا كسقيط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر
قال هشام: كان وضاح اليمن، والمقنع الكندي، وأبو زبيد الطائي يردون مواسم العرب مقنعين، يسترون وجوههم خوفا من العين، وحذرا من النساء لجمالهم، واسم وضاح اليمن عبد الرحمن بن إسماعيل، ولقب الوضاح لحسنه وجماله.
ومن مليح هذا النوع أيضاً قول بشار بن برد:
قد لامني في خليلتي عمر ... واللوم في غير كنهه ضجر
قال أفق قلت لا فقال بلى ... قد شاع في الناس منكما الخبر
قلت وأن شاع ما اعتذاري ... مما ليس لي فيه عندهم عذر
ماذا عليهم وما لهم ... خرسوا
لو أنهم في عيوبهم نظروا
أعشق وحدي ويؤخذون به ... كالترك تغزوا فيقتل الخزر
يا عجبا للخلاف يا عجبا ... في فم من لام في الهوى الحجر
حسبي وحسب التي كلفت بها ... مني ومنها الحديث والنظر
أو قبلة في خلال ذاك وما ... بأس إذا لم تحل لي الأزر
أو عضة في ذراعها ولها ... فوق ذراعي من عضها أثر
أو لمسة دون مرطها بيدي ... والباب قد حال دونه الستر
والساق براقة مخلخلها ... أو مص ريق وقد علا البهر
واسترخت الكف للعراك وقا ... لت إيه عني والدمع منحدر
انهض فما أنت كالذي زعموا ... أنت وربي مغازل أشر
قد غابت اليوم عنك حاضنتي ... فالله لي منك فيك ينتصر
يا رب خذلي ... فقد ترى ضرعي
من فاسق جاء ما به سكر
أهوى إلى معضدي فرضرضه ... ذو قوة ما يطاق مقتدر
الصق بي لحية له خشنت ... ذات سواد كأنها الإبر
حتى علاني وأسرتي غيب ... ويلي عليهم لو أنهم حضروا
أقسم بالله لا نجوت بها فأذهب فأنت المغادر الظفر
كيف بأمي إذا رأت شفتي أم كيف إن شاع منك ذا الأثر
قد كنت أخشى الذي ابتليت به ... منك فماذا أقول يا غدر
قلت لها عند ذاك يا سكني ... لا بأس أني مجرب خبر
قولي لها بقة لها ظفر ... إن كان في البق ما له ظفر
وقول أبي نواس يهجو سليمان:
قال لي يوما سليما ... ن وبعض القول أشنع
قال صفني وعليا ... أينا أبقى وأنفع