سل جزعي مذ نأيت عن حالي ... هل خطر الصبر لي على بال
لا غير الله سوء فعلك بي ... إن كنت أرضيت فيك عذالي
وقول البحتري في الفتح بن خاقان:
ألنت لي الأيام من بعد قسوة ... وعاتبت لي دهري المسيء فأعتبا
فلا فزت من مر الليالي براحة ... لئن كنت لم أصبح بشكرك متعبا
ومن كريم إيمان العرب قول حسان بن ثابت:
أوما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
وقال الشريف الرضي رضي الله عنه:
لا كنت من ريب الزمان بسالم ... إن كنت تسلم من يدي كفافا
بل لا التذذت من الزمان بشربة ... إن لم أعضك من الزلال ذعافا
ومنه قول الآخر:
لا فرج الله عن عيني برؤيته ... إن كنت أبصرت شيئا غيره حسنا
إلا خيال عسى إن نمت يطرقني ... وكيف يطرق من لاي عرف الوسنا
وما أبدع قول الآخر في مثل ذلك:
حرمت الرضا إن كنت خنتك في الهوى ... وعوقبت بالهجران إن كنت كاذبا
والرابع وهو القسم بما يكون فيه هجاء وذم، مثاله قول أبي تمام يهجو ابن الأعمش:
بدلت بعد تأنس بتوحش ... وأعرت سمعك من يبلغ أو يشي
لا مت إن كان الذي بلغته ... حتى أرى في صورة ابن الأعمش
وقوله يهجوه:
إن كنت تطمع أن قلبي هائم ... بك أو تؤمل أنني لك ذاكر
فأنا الذي يعطي أسته من حاجة ... وأبوك قوادي وأنت الشاعر
وقوله يهجو مقران المباركي:
أما والذي غشى المبارك خزية ... يغني على الأيام ركب به ركبا
لقد ظل مقران يحك بعرضه ... قوافي شعر لو تأملها جربا
والخامس وهو الحلف بما يجري مجرى الغزل والتشبيب، مثاله قول ابن المعتز:
لا والذي سل من جفنيه سيف ردى ... قدت له من عذاريه حمائله
ما صارت مقلتي دمعا ولا وصلت ... غمضا ولا سالمت قلبي بلابله
وقوله:
أما وريق بارد وثغر ... شيبا بطعمي عسل وخمر
ما الموت إلا الهجر أو كالهجر وقول أبي وائل تغلب بن حمدان:
لا والذي جعل الموالي في الهوى خدم العبيد
وأصار في أيدي الظبا ... ء قياد أعناق الأسود
وأقام ألوية المني ... ة بين أفناء الصدود
ما الورد أحسن منظرا ... من حسن توريد الخدود
وقول العلوي الكوفي:
إني سألتك باختلاس اللحظ من تحت السجوف
وبما جنت تلك العيون ... على القلوب من الحتوف
وبسطوة المولى إذا ... أزرى على العبد الضعيف
لا تجمعي ضن البخيل ... وسطوة المولى العسوف
ومثل هذا يسمى القسم الاستعطافي عند النحاة.
وجمع منصور بن كيغلغ بين هذا النوع من القسم وبين النوع الأول فقال:
خنت الذي أهوى من الناس+ونمت عن جودي وعن بأسي
يوم أرى الدجن فلا أرتوي ... من ريق إلفي ومن الكأس
ومن بديع هذا النوع قول الخالديين الشاعرين وقد مدحا أبا الحسن محمد بن عمر الزيدي الحسني فأبطأ عليهما بالجائزة، وأراد الخروج إلى بعض الجهات، فدخلا عليه وأنشداه:
قل للشريف المستجار ... به إذا عدم المطر
وابن الأئمة من قري ... ش والميامين الغرر
أقسمت بالريحان وال ... نغم المضاعف والوتر
لئن الشريف مضى ولم ... ينعم لعبديه النظر
لنشاركن بني أمي ... ة في الضلال المشتهر
ونقول لم يغصب أبو بكر ولم يظلم عمر
ونرى معاوية إما ... ما من يخالفه كفر
ونقول إن يزيد ما ... قتل الحسين ولا أمر
ونعد طلحة والزبير من الميامين الغرر
ويكون في عنق الشري ... ف دخول عبديه سقر
فضحك من قولهما وأنجز لهما جائزتهما.
قلت: وعلى هذا الأسلوب نظم ابن منير قصيدته المشهورة التي انتهت الإشارة إليها في أسلوبها. وكان سبب نظمه لها أنه كان بينه وبين الشريف الموسوي نقيب الأشراف مودة أكيدة ومراسلات، لأن الشريف كان رئيس مذهب الإمامية، وكان ابن منير من كبار الإمامية وأجلاء طرابلس. فيقال: أنه أرسل إلى الشريف مرة بهدية مع عبد أسود له، فأرسل الشريف يعتبه، وكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عددا أقل من الواحد، ولونا شرا من السواد لعثت به إلينا والسلام.