ويشوقني وجه النهار ملثما ... ويروقني خد الأصيل موردا
وكأن أنفاس النسيم إذا سرت ... شكرت لمجد الدين مولانا يدا
وقوله من أخرى في الملك الناصر صلاح الدين، مطلعها:
عرف الحبيب مكانه فتدللا ... وقنعت منه بموعد فتعللا
وأتى الرسول فلم أجد في وجهه ... بشرا كما قد كنت أعهد أولا
(ومنها) :
ولقد كتمت حديثه وحفظته ... فوجدت دمعي قد رواه مسلسلا
أهوى التذلل في الغرام وإنما ... يأبى صلاح الدين أن أتذللا
وما ألطف ما قال بعده:
مهدت بالغزل الرقيق لمدحه ... وأردت قبل الفرض أن أتنقلا
وقول الشيخ جمال الدين بن نباتة من قصيدة في الملك المؤيد صاحب حماة:
كيف الخلاص لمطوي على شجن ... وقد تمالت عليه أعين سحرة
تغزو لواحظها في المسلمين كما ... تغزو سيوف عماد الدين في الكفرة
وقوله من أخرى في القاضي جمال الدين بن الشهاب محمود، مطلعها:
بأبي نافر كثير الدلال ... إن هذا النفار شأن الغزال
حبذا منه مقلة لست أدري ... أبهدب تصول أم بنبال
إلى أن قال وجاء في التخلص ببديع التورية:
من معيني على هوى زاد حتى ... أهملته نصائح العذال
لو رأى عاذلي حقيقة أمري ... لرثاني ولا أقول رثى لي
في جمال الحبيب مت شجونا ... وبروحي أفدي تراب الجمال
ومثله قوله من أخرى يمدح تاج الدين السبكي، مطلعها:
وا حيرتي بظلام الطرة الداجي ... وشقوتي بنعيم الملمس العاجي
ويا ضلال رشادي في هوى صنم ... لا شيء أهتك لي من طرفه الساجي
لم أنس يوم النوى دمعا بوجنته ... كما نثرت لآل فوق ديباج
يثج ماء دموعي خط عارضه ... ويلاه من عارض للدمع ثجاج
ولم يزل يكرر حلاوة هذا النبات، إلى أن قال:
قد أسرج الحسن خديه فدونك ذا ... سراج خد على الأكباد وهاج
وألجم العذل فاركض في محبته ... طرف الهوى بعد إلجام وإسراج
وقسم الشعر فاجعل في محاسنه ... شذر القلائد واهد الدر للتاج
وقول أبي عبد الله محمد بن بختيار، المعروف بالأبله البغدادي الشاعر من قصيدة في الوزير أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، أولها:
ولع النسيم وبانة الجرعا ... وصفاك إلا الحلي والردعا
يا دمية ضاقت خلاخلها ... عنها وضقت بحبها ذرعا
قد كنت ذا دمع وذا جلد ... فبقيت لا جلدا ولا دمعا
صيرت جسمي للضنى سكنا ... وسكنت بعد بيانة الجرعا
يا من رأى أدماء سانحة ... قلبي لها لا المنحنى مرعى
لاثت بمثل الدعص مئزرها ... وجلت بعود أراكة طلعا
وإذا تراجعك الكلام فلا ... تعلم لأيام الصبا رجعا
ولقد سعت بالكأس تصبحني ... سكرى اللواحظ وعثة المسعى
في مستنير الزهر ما صنعت ... أبراده عدن ولا صنعا
باكرت مفترعا تراه وما ... ركب الحمام لبانة فرعا
سلت عليه البارقات ظبا ... لبس الغدير لخوفها درعا
يا عاذلي إن شئت تسمعني ... عذلا فشق لصخرة سمعا
طبعا جبلت على الغرام كما ... جبل الوزير على الندى طبعا
وهذا الشعر فيما أقول: هو الديباج الخسرواني، واللؤلؤ البحراني. ولقد ذكرت به ما نقل إلينا: من أن شعراء العجم افتخرت يوما بحضرة ملكها السلطان عباس شاه رحمه الله تعالى بحسن شعرها، ودقة تلطفها في المعاني التي ليس لشعراء العرب إليها سبيل بزعمها، والشيخ العلامة بهاء الدين محمد العاملي حاضر ذلك المجلس السامي، فالتفت إليه السلطان وقال: ما تقول أيها الشيخ في دعوى هؤلاء الشعراء؟ فقال الشيخ أنا لا أدري ما يقولون، غير أن في شعراء العرب شاعرين، أحدهما مجنون والآخر أبله.
أما المجنون فيقول:
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما ... بالطول والطول يا طوبى لو اعتدلا
يجود بالطول ليلي كلما بخلت ... بالطول ليلى وإن جادت به بخلا