للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عم البرية بالإحسان فانقشعت ... عنه الغيابة والإملاق والعدم

من معشر حبهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عد أهل التقى كلوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ... والأسد أسد الشرى والبأس محتدم

لا ينقص العسر بسطا من أكفهم ... سيان ذلك أن أثروا وإن عدموا

وروى ابن لنكك (لا يقبض) .

يستدفع السوء والبلوى بحبهم ... ويسترب به الإحسان والنعم

مقدم بعد ذك الله ذكرهم ... في كل بدء ومختوم به الكلم

يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم ... خيم كريم وأيد بالندى هضم

أي الخلائق ليست في رقابهم ... لأولية هذا أوله نعم

من يعرف الله يعرف أولوية ذا ... والدين من بيت هذا ناله الأمم

قال: فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وبلغ ذلك علي بن الحسين عليهما السلام: فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس, فلو كان عندنا أكثر من هذا وصلناك, فردها الفرزدق وقال: يا بن رسول الله, ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله عز وجل ولرسوله, وما كنت لا رزأ عليه شيئاً, فقال: شكر الله لك ذلك, غير أنا أهل بيت إذا أنفذنا أمراً لم نعد فيه, فقبلها.

وجعل يهجو هشاما وهو في الحبس, فكان مما هجاه به:

أيحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب رأساً لم يكن رأس سيد ... وعينا له حولاء باد عيوبها

وقوله أيضاً وهو من المطرب:

حبيب دعا والرمل بيني وبينه ... فاسمعني سقيا لذلك داعيا

فكان جوابي أن بكيت صبابة ... وفديت من لو يستطيع فدائيا

لذكرى حبيب لم أزل مذ هجرته ... أعد له بعد الليالي لياليا

ومثله قوله أيضاً:

والشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيح بحافتيه نهار

ومنه قول جرير وهو معدود من الطرب في هذا الباب:

إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لا يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا

وقوله أيضاً:

لعمرك لولا اليأس ما انقطع الهوى ... ولولا الهوى ما حن من واله قلبي

سقى الرمل جون مستهل ربابه ... وما ذاك إلا حب من حل بالرمل

وقوله أيضاً:

يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذل

لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الفراق فعلت ما لم أفعل

وقوله وبعضه من المرقص, وبعضه من المطرب:

سرت الهموم فبتن غير نيام ... وأخو الهموم يورم كل مرام

ذم المنازل بعد منزلة الهوى ... والعيش بعد أولئك الأيام

وإذا أتيت على المنازل باللوى ... فاضت دموعك غير ذات نظام

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام

تجري السواك على أغر كأنه ... برد تحدر من متون غمام

ومنه قول الأخطل وكان نصرانياً من بني تغلب:

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذاخراً يكون كصالح الأعمال

وقوله أيضاً:

وإذا دعونك عمهن فإنه ... نسب يزيدك عندهن خبلاً

وإذا وزنت حلومهن مع الصبا ... رجح الصبا بحلومهن فمالا

ومنه قول سحيم عبد بني الحسحاس عندما باعه مولاه وكان عبداً أسوداً نوبيا:

أشوقا ولما تمض لي بعد ليلة ... فكيف إذا سار المطي بكم عشر

وما كنت أخشى مالكاً أن يبيعني ... بشيء ولو كانت أنامله صفرا

أخوكم ومولاكم وصاحب سركم ... ومن قد ثوى فيكم وعاشركم دهرا

البيت الأول يعد من المرقص المطرب. سحيم هذا أقدم عصراً ممن قبله من الإسلاميين لأنه أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وأنشد عمر بن الخطاب قوله:

عميرة ودع أن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

فقال له عمر: لو قلت شعرك كله مثل هذا لأعطيتك عليه ومن مشهور شعره ما تمثل به إبراهيم بن المهدي (حين قال له المأمون بعد الظفر به: إنه الخليفة الأسود يا عم, يهزأ به) وهو:

<<  <   >  >>