للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تستقيك كأس مدامة من كفها ... وردية ومدامة من ثغرها

وهذه الأبيات قالها في جارية نصرانية من أهل حمص عشقها ودعاها إلى الإسلام فأسلمت فتزوجها, ثم بلغه أنها تهوى غلاماً فقتلها, وقال فيها:

يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها

رويت من دمها الثرى ولطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها

مكنت سيفي من مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خديها

فوحق نعليها وما وطيء الحصى ... شيء أعز علي من نعليها

ما كان قتليها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الغبار عليها

لكن ضننت على سواي بحبها ... وأنفت من نظر الغلام إليها

وقوله أيضاً:

بها غير معذور فداو خمارها ... وصل بعشيات الغبوق ابتكارها

ونل من عظيم الوزر كل عظيمة ... إذا ذكرت خاف الخفيظان نارها

وقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر ... ولا تسق إلا خمرها وعقارها

فقام تكاد الكأس تحرق كفه ... من الشمس أو من وجنتيه استعارها

موردة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها

ظللنا بأيدينا نتعتع روحها ... فتأخذ من أقدامنا الراح ثارها

ويحكى أنه لما اجتاز أبو نواس بحمص قاصداً مصر لامتداح الخصيب سمع ديك الجن بوصوله فاستخفى منه خوفاً من أن يظهر لأبي نواس, لكونه قاصراً بالنسبة إليه, فقصده أبو نواس في داره وهو بها, فطرب الباب, واستأذن عليه, فقالت الجارية: ليس هو هنا, فعرف مقصده فقال لها قولي له: أخرج فقد فتنت أهل العراق بقولك:

موردة في كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها

فلما سمع دين الجن ذلك خرج إليه واجتمع به وأضافه.

ومن بديع الانسجام ما أنشده إسحاق الموصلي لبعض الأعراب:

ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... على الغصن ما هيجت حين غنت

تغنت بصوت أعجمي فهيجت ... من الشوق ما كانت ضلوعي أجنت

فلو قطرت عين امرء من صبابة ... دما قطرت عيني دما فألمت

فما سكنت حتى أويت لصوتها ... وقلت ترى هذي الحمامة جنت

ولي زفرات لو يدمن قتلنني ... بشوق إلى نأي التي قد تولت

فيا محيي الموتى أقدني من التي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلت

لقد بخلت حتى لوني سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنت

فقلت ارحلا يا صاحبي فليتني ... أرى كل نفس أعطيت ما تمنت

حلفت لها بالله ما أم واحد ... إذا ذكرته آخر الليل حنت

وما وجد أعرابية قذفت بها ... صروف النوى من حيث لم تك ظنت

إذا ذكرت ماء العضاه وطيبه ... وبرد الحمى من بطن خبت أرنت

بأكثر مني لوعة غير أنني ... أجمجم أحشائي على ما أجنت

ومنه قول إسحاق الموصلي:

إذا مضر الحمراء كانت أرومتي ... وقام بنصري خازم وابن خازم

عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثريا قاعدا غير قائم

ومنه قول محمد بن كناسة:

في انقباض وحشمة فإذا ... لاقيت أهل الوفاء والكرم

أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت ما قلت غير محتشم

قيل: أنشد محمد بن كناسة هذين البيتين إسحاق الموصلي, فقال له الموصلي: وددت أني نقص من عمري سنتان وإني كنت سبقت إلى إلى هذين البيتين فقلتهما.

ومن المرقص في باب الانسجام قول عمر بن أبي ربيعة من قصيدة:

أتاني رسول من ثلاث خرائد ... ورابعة تستكمل الحسن أجمعا

تنوعتن حتى عاود القلب سقمه ... وحتى تذكرت الحديث المودعا

فقلت لمطريهن في الحسن إنما ... ضررت فهل تستطيع نفعا فتنفعا

وهيجت قلبا كان قد ودع الصبا ... وأشياعه فاشفع عسى أن تشفعا

لئن كان ما قد قلت حقا فما أرى ... كمثل الألى أطريت في الناس أربعا

ومنا وهو الغاية التي لا تدرك:

فلما توافقنا وسلمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا

قربن أسباب الهوى لمتيم ... يقيس ذراعاً كلما قسن إصبعا

وقوله أيضاً:

ردوا التحية أيها السفر ... وقفوا فإن وقوفكم أجر

ماذا عليكم في وقوفكم ... ريث السؤال سقاكم القطر

بالله ربكم أما لكم ... بالمشعرين وأهله خبر

<<  <   >  >>