للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خرقاء يلعب بالعقول حبابها ... كتلاعب الأفعال بالأسماء

وضعيفة فإذا أصابت فرصة ... قتلت كذلك قدرة الضعفاء

ومن مديحه المرقص قوله رحمه الله:

بيمين أبي إسحاق طالت يد العلى ... وقامت قناة الدين واشتد كاهله

هو اليم من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبر ساحله

تعود بسط الكف حتى لواته ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله

ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله

ومنه قول أبي عبادة البحتري وعد من المرقص أيضاً:

أشرب على زهر الرياض تشوبه ... زهر الخدود وزهرة الصهباء

من قهوة تنسي الهموم وتبعث ال ... شوق الذي قد ضل في الأحشاء

يخفي الزجاجة لونها فكأنها ... في الكف قائمة بغير إناء

ولها نسيم كالرياض تنفست ... في أوجه الأرواح والأنداء

وفواقع مثل الدموع ترددت ... في صحن خد الكاعب العذراء

يسقيكها رشأ بالكاد يزيدها ... سكرا بفترة مقلة حوراء

يسعى بها وبمثلها من طرفه ... عوداً وإبداء على الندماء

وقوله وهو أول قصيدة يمدح بها الفتح بن خاقان:

بنا أنت من مجفوة لم تعتب ... معذورة في هجرها لم تؤتب

نازحة والدار منها قريبة ... وما قرب ثاو في التراب مغيب

قضت نوب الأيام فيها بفرقة ... متى ما تغالب بالتجلد تغلب

فإن أبك لأشفي الغليل وأن أدع ... أدع لوعة في القبلب ذات تلهب

ألا لا تذكرني الحمى إن ذكره ... جوى للمشوق المستهام المعذب

أتت دون ذاك الدهر أيام جرهم ... وطارت بذاك العيش عنقاء مغرب

ويا لائمي في عبرة قد سفحتها ... لبين وأخرى قبلها للتجنب

تحاول مني شيمة غير شيمتي ... وتطلب مني مذهبا غير مذهبي

وما كبدي بالمستطيعة للأسى ... فأسلو ولا قلبي كثير التقلب

ولما تزايلنا عن الجزع وانثنى ... مشرق ركب مصعدا عن مغرب

تبينت أن لا دار من بعد عالج ... تسر وأن لا خلة بعد زينب

لعل وجيف الركب في غلس الدجى ... وطي الفيافي سبسبا بع سبسب

يبلغني الفتح بن خاقان أنه ... نهاية آمالي وغاية مطلبي

حكي أنه سبب نظم البحتري لهذه القصيدة أنه ماتت للمتوكل جارية بارعة الجمال اسمها شجر الدر, فحزن المتوكل لموتها حزناً شديدا وتركها بغير دفن أياماً لشدة وجده عليها, ولم يستطع أحد من الوزراء أن ينصحه في ذلك, ولا قدر أحد من الشعراء أن يرثيها. فتقد الفتح بن خاقان إلى أبي عبادة البحتري بنظم قصيدة يكون نسيبها متعلقاً بشجر الدر ومديحها فيه, وأن ينشدها بين يدي المتوكل. فنظم هذه القصيدة وحظر بين يدي المتوكل, فأخذ في إنشادها والمتوكل يهتز لها طربا, ويستعيد كل بيت منها استحسانا, إلى أن بلغ قوله: يبلغني الفتح بن خاقان - البيت - فقال المتوكل: ويحك يا أبا عبادة انتقلت مما يطرب إلى ما ينصب. ثم أجازه كل من الخليفة والوزير جائزة سنية, وحصل للمتوكل بذلك سلوة, والله أعلم.

ومن المطرب قوله أيضاً:

بات نديما لي حتى الصباح ... أغيد مجدول مكان الوشاح

كأنما يضحك عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح

تحسبه نشوان إمارنا ... للفتر في أجفانه وهو صاح

بت أفديه ولا أرعوي ... لنهي ناه عنه أو لحي لاح

أمزج كأسي بجنى ريقه ... وإنما أمزج راحا براح

يساقط الورد علينا وقد ... تبلج الصبح نسيم صباح

أغضيت عن بعض الذي يتقى ... من حرج في حبه أو جناح

سحر العيون النجل مستهلك ... لبي وتوريد الخدود الملاح

وقوله:

يا عارضا متلفعا ببروده ... يختال بين بروقه ورعوده

لو شئت عدت بلاد نجد عودة ... فنزلت بين عقيقة وزروده

لتجود في ربع بمنعرج اللوى ... قفر تبدل وجشه من غيده

رفع الفراق قبابهم وتحملوا ... بفؤاد مختبل الفؤاد عميده

وأنا الفداء لمرهف غض الصبا ... يوهيه حمل وشاحه وعقوده

قصرت تحيته فجاد بخده ... يوم الوداع لنا وضن بجيده

عنيت به عين الرقيب فلم تدع ... من نيله المطلوب غير زهيده

<<  <   >  >>