للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو استطاع لكان يوم وصاله ... للمستهام مكان يوم صدوده

وقوله في غلام له اسمه نسيم, باعه فاشتراه أبو الفضل الحسن بن وهب ثم ندم على بيعه وتتبعته نفسه:

دعا مقلتي تجري على الجور والقصد ... أظن نسيما قارف الهجر من بعدي

خلا ناظري من طيفه بعد شخصه ... فيا عجبا للدهر فقداً على فقد

خليل هل من نظرة توصلانها ... إلى وجنات ينتسبن إلى الورد

وقد يكاد القلب يفقد دونه ... إذا اهتز في قرب من العين أو بعد

بنفسي حبيب نقلوه عن اسمه ... فبات غريبا في رخاء وفي سعد

فبا حائلا عن ذلك الاسم لا تحل ... وإن جهد الأعداء عن ذلك العهد

كفى حزنا أنا على الوصل نلتقي ... فواقا فتثنينا العيون إلى الصد

فلو تمكن الشكوى لخبرك البكا ... حقيقة ما عندي وإن جل ما عندي

هوى لا جميل في بثينة ناله ... بمثل ولا عمرو بن عجلان في هند

أبا الفضل في تسع وتسعين نعجة ... غنى لك عن ظبي بساحتنا فرد

أتأخذه مني وقد أخذ الجوى ... مآخذه مما أسر وما أبدي

وقلت أسل عنه والجوانح دونه ... وكيف سلو ابن المفرغ عن برد

ابن المفرغ هذا هو يزيد بن زياد بن مفرغ واسمه ربيعة, وإنما لقب مفرغا لأنه راهن على سقاء من لبن يشربه كله فشربه حتى فرغه فسمي مفرغا وقيل في سبب لقبه بذلك غير هذا, وكان يزيد المذكور شاعراً غزلا محسنا من شعراء الصدر الأول في زمن معاوية بن أبي سفيان, وبرد الذي ذكره البحتري غلام له كان رباه مع قينة له تسمى الأراكة, وكان شديد الضن بهما, وله فيهما أشعار والله أعلم.

ومنه قول أبي الطيب المتنبي:

عزيز أسى من داؤه الحق النجل ... عياء به مات المحبون من قبل

فمن شاء فلينظر إلي فمنظري ... نذير إلى من ظن أن الهوى سهل

وما هي إلا لحظة بعد لحظة ... إذا نزلت في قلبه رحل العقل

جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي ... فأصبح لي عن كل شغل بها شغل

ومن جسدي لم يترك الحب شعرة ... فما فوقها إلا وفيها له فعل

ومنها:

كأن رقيباً منك سد مسامعي ... عن العذل حتى ليس يدخلها العذل

كأن سهاد الليل يعشق مقلتي ... فبينهما في كل هجر لنا وصل

وقوله:

من الجآذر في زي الأعاريب ... حمر الحلى والمطايا والجلابيب

إن كنت تسأل شكا في معارفها ... فمن بلاك بتسهيد وتعذيب

ومنها:

سوائر بما سارت هوادجها ... منيعة بين مطعون ومضروب

وربما وخدت أيدي المطي بها ... على نجيع من الفرسان مصبوب

كم زورة لك في الأعرب خافية ... أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب

أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي

قد وافقوا الوحش في سكنى مراتعها ... وحالفوها بتقويض وتطنيب

ومنها:

فؤاد كل محب في بيوتهم ... ومال كل أخيذ المال محروب

ما أوجه الحضر المستحسنات به ... كأوجه البدويات الرعابيب

حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب

ومنها:

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

ولا برزن من الحمام مائلة ... أوراكهن صقيلات العراقيب

قال الثعالبي في اليتيمة: وناهيك بهذه الأبيات جزالة وحلاوة, وحسن معان, وله طريقة طريفة في وصف البدويات قد تفرد بحسنها, وأجاد ما شاء فيها.

ومنها قوله:

هام الفؤاد بأعرابية سكنت ... بيتا من القلب لم تمدد له طنبا

مظلومة القد في تشبيهه غصنا ... مظلومة الريق في تشبيهه ضربا

وقوله:

إن الذين أقمت واحتملوا ... أيامهم لديارهم دول

الحسن يرحل كلما رحلوا ... معهم وينزل حيثما نزلوا

في مقلتي رشأ تديرهما ... بدوية فتنت بها الحلل

ومنها:

ما أسارت في العقب من لبن ... تركته وهو المسك والعسل

وقوله أيضاً, قال الثعالبي: وهي مما يتغنى به لرشاقتها وبلوغها كل مبلغ من حسن اللفظ وجودة المعنى واستحكام الصنعة:

قد كان يمنعني الحياء من البكا ... والآن يمنعه البكا أن يمنعا

حتى كأن لكل عظم رنة ... في جلده ولكل عرق مدمعا

<<  <   >  >>