للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سفرت وبرقعها الحياء بصفرة ... سترت محاجرها ول تك برقعا

فكأنها والدمع يقطر فوقها ... ذهب بسمطي لؤلؤ قد رصعا

نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ... في ليلية فأرت ليالي أربعا

واستقبلت قمر السماء بوجهها ... فأرتني القمرين في وقت معاً

وقوله:

فليت هوى الأحبة كان عدلا ... فحمل كل قلب ما أطاقا

ومنها:

وقد أخذ التمام البدر فيهم ... وأعطاني من السقم المحاقا

وبين الفرع والقدمين نور ... يقود بلا أزمتها النياقا

وطرف أن سقى العشاق كاسا ... بها نقص سقانيها دهاقا

وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا

وقوله:

كأنما قدها إذا انقلبت ... سكران من خمر طرفها ثمل

يجذبها تحت خصرها كفل ... كأنه من فراقها وجل

وقوله:

مثلت عينك في حشاي جراحة ... فتشابها كلتاهما نجلاء

نفذت على السابري وربما ... تندق فيه الصعدة السمراء

وقوله وهو من المرقص:

كأن العيس كانت فوق جفني ... مناخات فلما ثرن سالا

لبسن الوشي لا متجملات ... ولكن لكي يصن به الجمالا

وضفرن الغدائر لا الحسن ... ولكن خفن في الشعر الضلالا

وهذا من إحسانه المشهور الذي لا يشق غباره في والله أعلم.

ومن الانسجام البديع قول سيف الدولة بن حمدان رحمه الله تعالى في جارية له من بنات ملوك الروم, كان لا يرى الدنيا إلا بها, ويشفق من الريح الهابة عليها, فحسدها سائر خطاياه على لطف محلها منه, وأزمعن على إيقاع مكروه بها من سم وغيره, وبلغ سيف الدولة ذلك فأمر بنقلها إلى الحصون احتياطاً على روحها وقال:

راقبتني العيون فيك فأشفق ... ت ولم أخل قط من إشفاق

ورأيت العذول يحسدني في ... ك اغتباطا يا أنفس الاعلاق

فتمنيت أن تكوني بعيدا ... والذي بيننا من الود باق

رب هجر يكون من خوف هجر ... وفراق يكون من خوف فراق

وقوله أيضاً:

تجنى علي الذنب والذنب ذنبه ... وعاتبني ظلما وفي شقه العتب

وأعرض لما صار قلبي بكفه ... فهلا جفاني حين كان لي القلب

إذا برم المولى بخدمة عبده ... تجنى له ذنبا وإن لم يكن ذنب

وقوله أيضاً:

أقبله على جزع ... كشرب الطائر الفزع

رأى ماء فأطعمه ... وخاف عواقب الطمع

فصادف فرصة فدنا ... فلم يلتذ بالجرع

وقول أبي فراس بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة. قال الثعالبي في ترجمته: كان فرد دهره, وشمس عصره أدبا وفضلا, وبلاغة وبراعة, وفروسية وشجاعة, وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة, والسهولة والجزالة, والعذوبة والفخامة, والحلاوة والمتانة, ومعه رقة الطبع وسمة الظرف وعزة الملك, ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز, وأبو فراس بعده أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان الصاحب يقول: بديء الشعر بملك, وختم بملك, يعني امرأ القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه, فلا ينبري لمباراته, ولا يجتري على مجاراته, وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيباً له وإجلالاً لا إغفالاً وإخلالاً. وكان سيف الدولة يعجب جداً بمحاسن أبي فراس, ويميزه بالإكرام على سائر قومه. انتهى.

وقوله المشار إليه هو:

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ... ولكن مثلي لا يذاع له سر

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى ... وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي ... إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

معللتي بالوصل والموت دونه ... إذا مت عطشانا فلا نزل القطر

بدوت وأهلي حاضرون لأنني ... أرى أن دارا لست من أهلها ققر

وحاربت قومي في هواك وأنهم ... وإياي لولا حبك الماء والماء والخمر

وإن كان ما قال الوشاة ولم يكن ... فقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر

وفيت وفي بعض الوفاء مذلة ... لإنسانة في الحي شيمتها الغدر

وقور وريعان الصبا يستفزها ... فتأرن أحيانكما يارن المهر

<<  <   >  >>