وينصب بينهم قسطاس حق ... خلت من كل تطفيف وعين
له نواران من ورع وعلم ... تخالهما كبدر دجى وعين
بصير عدله ذا المطل عدلا ... ويجعل كل ذي شخص وعين
ويحجب من تأمله صبيا ... كما حجب الغزالة ضوء عين
لئن شرفت دمشق به ومصر ... فقد سارت محاسنه لعين
وتعظم كل أرض حل فيها ... ولو حقرت حقارة رأس عين
يجود بكل ما في راحتيه ... إذا بخلت بنو الدنيا بعين
ويوسع للورى بادي القرى إن ... مزادة غيره شحت بعين
وعم نداه في شرقٍ وغرب ... فلم يحوج إلى شاق وعين
جمال الدين فضلك ليس يحصى ... فدونك قطرة من سحب عين
برغمي أن أهني من بعاد ... وحقي أن أجيء لكم بعين
ومذ سفه المعيشة غيبتني ... وراسك لم أفز فيها بعين
ولو أستطيع جئت ولو جثيا ... على ركبي إليك بكل عين
ولولا ما أروم من التلاقي ... لأذهب بينكم نفسي وعيني
وكنت كعين قطر سال قدما ... فما أزكى وأحسن سيل عين
متى ألقاكم من عين شمس ... وقد حلت ركابكم بعين
وهن أخاك تاج الدين عني ... فإن كليكما خلي وعيني
وقوماً وادعياً لأبيكما إذ ... لنا منه أبر أب وعين
به زكت الفورع وطاب منه ... غصون أخرجتها خير عين
فدام بقاؤه ما لاح برق ... وأطرب صوت قمري وعين
ولا زالت أعاديه تردى ... بكل مذلة وبكل عين
ومن ينظر إليه بعين سوء ... يقابله الإله بكل عين
وقد جمعت معاني العين طرأ ... قصيدي لم تدع معنى لعين
فلو عاش الخليل لقال هذي ... معان ما رأتها قط عين
وقد ضاقت قوافيها وركت ... وذلك لالتزام لفظ عين
ولو لم التزم هذي لفاقت ... قصد أديب أرض الجامعين
ولولا ذا لطاب لها ختام ... بذكر مليكها القاضي حسين
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في رشف الزلال: والهلال اسم مشترك فقال:
أٌول وربما نفع المقال ... إليك سهيل إذا طلع الهلال
تكاثرني بآلات المعاني ... وكيف يكاثر البحر الهلال
أتطمع أن تنال المجد قبلي ... وانى يسبق النجب الهلال
وتبسم حين تبصرني نفاقاً ... وشخصي في جوانحك الهلال
وتبطن شرة في لين مس ... كما لانت مع اللمس الهلال
وتنتظر الرزايا بي ولكن ... عليك تدور بالشر الهلال
كأن وجوههم في كل مثوى ... وفرط صلابة في الهلال
وأعراضاً أذيلت للأهاجي ... كما يبدو على القدم الهلال
وما تغني الكتائب عن صدوع ... بها أن يرأب الصدع الهلال
وأعجب كيف يكرمكم كتاب ... وأعجب من لبيبكم الهلال
وقد زاد على ذلك الإمام شرف الدين ابن بنت أبي سعيد القاهري فعدها سبعة عشر فقال:
إن شعري قد حط سعري حتى ... صار قدري كمثل قدر الهلال
ثم نحوي جر المكاره نحوي ... فاعتراني منها كلسع الهلال
وأصول الفروع وصولي ... لمرامي فبعده كالهلال
وأصول الكلام منها كلامي ... فتخلفت في الورى كهلال
ثم حرزي قد جر حرزي حتى ... ربط الذل بي كربط الهلال
وعروضي قد حط قدر عروضي ... فرماني صحبي كرمي الهلال
ثم ظبي لأجله زال طيبي ... وأتاني بمثل طعن الهلال
وبياني قد جث كسب بناني ... بعد صيدي به كصيد الهلال
ثم نثري مثل النثار ومنه ... خف رزقي عني بمثل الهلال
علم الأنساب حال الأنساب عني (كذا) ... فأتى الدهر لي بطحن الهلال
ثم خطى قد حط حظي حتى ... فاتني في الورى جميع الهلال
وكذا الرمل أثقل الرأس مني ... وكساني ثوبا كمثل الهلال
ونجومي تحت التخوم رمتني ... بعد وردي كود الهلال (كذا)
ولقد كنت أنشر العلم دهراً ... لست فيه مواجراً كالهلال
فتركت العلوم مما دهاني ... بعد سبقي كل الورى في الهلال
وتصوفت إذ سبقت البرايا ... بخشوع وفقتهم في الهلال
ثم إني زهدت في الزهد أيضاً ... بعد أن كنت لاحقاً بالهلال
وما أحسن قول الحريري في مقاماته في هذا النوع: