لا تبك ألفا نأى ولا دارا ... ودر مع الدهر كيفما دارا
واتخذ الناس كلهم سكنا ... ومثل الأرض كلها دارا
واصبر على خلق من تعاشره ... وداره فاللبيب من دارى
ولا تضع فرصة السرور فما ... تدري أيوماً تعيش أم دارا
واعلم بأن المنون جائلة ... وقد أدارت على الورى دارا
وأقسمت لا تزال قانصة ... ماكر عصرا المحيا وما دارا
وكيف ترجو النجاة من شرك ... لم ينج منه كسرى ولا دارا
وأما الجناس المطرف: فهو ما زاد أحد ركنيه على الآخر بحرف في طرفه الأول، وهو عكس المذيل. فإن المذيل تكون الزيادة في آخره كما مر، فهي كالمذيل. وقد يسمى هذا الجناس، المردوف، والناقص. وفي تسميته اختلاف كثير، ولكن المطرف أولاها، لأنه مطابق للمسمى، إذا الزيادة فيه كالطرف لأنها في أوله. وخير الأسماء ما طابق المسمى.
وهذه الزيادة قد تكون في أول الركن الثاني، كقوله تعالى: (والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق) وقول البستي: عسى تحظى في غدك برغدك. وقول الأهوازي: من حسنت حاله استحسن محاله.
وقول أبي الحسن الباخرزي:
سأعمر بالشراب شباب عمري ... فترك الشرب قبل الشيب لوم
وأبذل فضل مالي قبل موتي ... فمورث ماله عندي ملوم
وقول الآخر:
يا ناقلاً قول الذي ... في العرض مني قد لغا
أقصر فما اسمعني ... سوء سوى من بلغا
وقول ابن جابر الأندلسي:
فيا راكب الوجناء هل أنت عالم ... فداؤك نفسي كيف تلك المعالم
وقوله أيضاً:
صاد قلبي وصدعني صدودا ... وانثنى يسحب الذوائب سودا
فرأيت الصباح في الليل يبدو ... وشهدت الرشا يصيد الأسودا
وقول الثعالبي:
هذه ليلة لها بهجة الطاوو ... س حسنا واللون الغدافِ
رقد الدهر فانتبهنا وسارقنا حظا من السرور الشافي
بمدام صاف وخل مصاف ... وحبيب واف وسعد مواف
وقول أبي الحسن علي بن الأنجب المالكي:
ولمياء تحيي من تحيي بريقها ... كأن مزاج الراح بالمسك من فيها
وما ذقت فاها غير أني رويته ... عن الثقة المسواك وهو موافيها
وقول أبي الفتح البستي:
يا غزالاً أره ند وصدا ... بعد أن كان للوصال تصدى
بيننا للرقيب سد فلا تج ... مع على ذي الهوى من السد صدا
وقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني:
كبر على العلم يا خليلي ... ومل إلى الجهل ميل هانم
وكن حماراً تكن سعيدا ... فالسعد من طالع البهائم
وقول الآخر:
أيام أنسي قد كانت بقربكم ... بيضاً فحين نأيتم أصبحت سودا
ذممت عيشي مذ فارقت أرضكم ... من بعد ما كان مغبوطاً ومحسودا
وقول المستظهر من خلفاء المغرب:
يا غزالاً نقض العه ... د ولم يوف بوعد
أنسيت العهد إذ بت ... نا على مفرش ورد
ونجوم الليل تسري ... ذهباً في لازورد
وقول أبي الحجاج الأندلسي الداني:
أبى الله إلا أن أفارق منزلا ... يطالعني وجه المنى في سافرا
كأن على الأيام حين غشيته ... يميناً فلم أحلله إلا مسافرا
وقول ذي الوزارتين أبي عبد الله محمد بن الخطيب:
أقمنا برهة ثم ارتحلنا ... كذاك الدهر حال بعد حال
وكل بداية فإلى انتهاء ... وكل إقامة فإلى ارتحال
ومن سام الزمان دوام حال ... فقد وقف الرجاء على المحال
وقول شيخنا محمد بن علي الشامي:
قام للناس في العشية سوق ... من فسوق وقام لي ألف سوق
وقد تكون في أول الركن الأول، كقول أبي علي الحسين بن أبي الطيب الباخرزي، وهو والد الأديب أبي الحسن علي الباخرزي المشهور صابح دمية القصر: أنزه المناظر والمجالس، ما سار فيه ناظر الجالس.
وقول البستي: اشتغل عن لذاتك، بعمارة ذاتك. وقوله:
أبا العباس لا تحسب بأني ... لشيبي من حلي الأشعار عار
فلي طبع كسلسال معين ... زلال من ذرى الأحجار جار
إذا ما أكبت الأدوار زندي ... فلي زند على الأدوار وار
وقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني:
وكم سبقت منه إلي عوارف ... ثنائي من تلك العوارف وارف