للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طرب الفؤاد وعاودت أحزانه ... وتلعبت شعبا به أشجانه

وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه

يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه

فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا إليه وصده سبحانه

فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه

وقول السيد علي بن محمد بن محمد بن زيد الشهيد المعروف بالحماني:

لنا من هاشم هضبات مجد ... مطبنة بأبراج السماء

تطوف بنا الملائك كل يوم ... ونكفل في حجور الأنبياء

ويهتز المقام لنا ارتياحا ... ويلقانا صفاه بالصفاء

وقوله:

وإنا لتصبح أسيافنا ... إذا ما انتضين ليوم سفوك

منابرهن بطون الأكف ... وأغمادهن رؤوس الملوك

وقوله:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة ... بمط خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ... عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا ... عليهم جهير الصوت في كل جامع

ومن نسيبه المرقص قوله:

يا شادنا أفرغ من فضه ... في خده تفاحة غضة

كأنما القبلة في خده ... بالحسن من رقته عضه

يهتز أعلاه إذا ما مشى ... وكله في لينه قبضه

أرحم فتى لما تملكته ... أقر بارق فلم ترض

وقوله أيضاً:

بأبي فم شهد الضمير له ... قبل المذاق بأنه عذب

كشهادتي لله خالصة ... قبل العيان بأنه الرب

والعين لا تغني بنظرتها ... حتى يكون دليلها القلب

وقوله:

كأن هموم الناس في الأرض كلها ... علي وقلبي بينهم قلب واحد

ولي شاهدا عدل سهاد وعبرة ... وكم مدع للحق من غير شاهد

وقوله:

وجه هو البد إلا أن بينهما ... فضلا تحير عن حافاته النور

في وجه ذاك أخاليط مسودة ... وفي مضاحك هذا الدر منثور

حدث بعض الصالحين قال: لقيت علي بن محمد الحماني المذكور بالكوفة بعد خلاصه من حبس الموفق - وكان قد حبس مرتين, مرة لكفالته بعض أهله, ومرة لسعاية عليه - وهنأته بالسلامة, وقلت له, قد عدت إلى وطنك الذي تلذه, وإخوانك الذين تحبهم. فقال: يا أبا علي, ذهب الأتراب والشباب والأصحاب.

وأنشد:

هبني بقيت على الأيام والأبد ... ونلت ما شئت من مال ومن ولد

من لي برؤية من قد كنت آلفه ... وبالزمان الذي ولى ولم يعد

لا فارق الهم قلبي بعد فرقتهم ... حتى يفرق بين الروح والجسد

والحماني بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم وبعد الألف نون. قال السمعاني في الأنساب هذه النسبة إلى حمان وهي قبيلة من تميم نزلوا الكوفة. قال صاحب العمة كان جده ينزل بالكوفة في بني حمان وتخفيف الميم فهو تصحيف لا يعول عليه والله أعلم.

ومن المرقص في هذا الباب قول الشريف المرتضى ذي المجدين أبي القاسم علي بن أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي:

يا خليلي من ذؤابة قيس ... في التصابي رياضة الأخلاق

علاني بذكرها تطرباني ... واسقياني دمعي بكأس دهاق

وخذا النوم عن جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق

لما وصلت هذه الأبيات إلى البصري الشاعر قال: المرتضى خلع مالا يملك على من لا يقبل.

وحي عن الشريف المرتضى المذكور أنه كان جالساً في علية له تشرف على الطريق, فمر به المطرز الشاعر يجر نعلاً له بالية وهي تثير الغبار, فأمر بإحضاره ثم قال له أنشدني أبياتك التي تقول منها:

إذا لم تبلغني إليكم ركائبي ... فلا وردت ماء ولا رعت العشبا

فانشده إياها, فلما انتهى إلى هذا البيت أشار الشريف إلى نعله البالية وقال: هذه كانت من ركائبك؟ فاطرق المطرز ساعة ثم قال: لما عادت هبات سيدنا الشريف إلى مثل قوله:

وخذا النوم عن جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق

عادت ركائبي إلى مثل ما يرى, فإنه خلع مالا يملك على من لا يقبل. فاستحيا الشريف ووصله.

سرى مغرما بالعيس ينتجع الركبا ... يسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا

إذا لم تبلغني إليكم ركائبي ... فلا وردت ماء ولا رعت العشبا

على عذبات الجزع من ماء تغلب ... غزال يرى ماء العيون له شربا

<<  <   >  >>