للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وافتن فيك الناظرون فأصبع ... يومي إليك بها وعين تنظر

ذكروا بطلعتك النبي فهللوا ... لما طلعت من الصفوف وكبروا

حتى انتهيت إلى المصلى لابسا ... نور الهدى يبدو عليك ويظهر

فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر

أيدت من فصل الخطاب بحكمة ... تنبي عن الحق المبين وتخبر

ووقفت في برد النبي مذكرا ... بالله تنذر تارة وتبشر

سبحان الله ما أشرف هذا الكلام, وانهج هذا النظام, وهذا هو السحر الحلال على الحقيقة, والسهل الممتنع. فلله دره ما أسلس قياده, وأعذب ألفاظه, وأحسن سبكه, وألطف مقاصده, وبحق ما قال أبو العلاء المعري وقد سئل, أي الثلاثة أشعر, أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟ فقال: حكيمان والشاعر البحتري. وكان يقال لشعره سلاسل الذهب. ومع شهرة ديوانه فلا حاجة إلى الإكثار منه.

ومن الغايات في باب الانسجام قول علي بن الجهم يمدح المتوكل أيضاً:

عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث ندري ولا ندري

أعدن لي الشوق القديم ولم أكن ... سلوت ولكن زدن جمرا على جمر

سلمن وأسلمن القلوب كأنما ... تشك بأطراف المثقفة السمر

خليلي ما أحلى الهوى وأمره ... وأعرفني بالحلو منه وبالمر

كفى بالهوى شغلا وبالشيب زاجرا ... لو أن الهوى مما ينهنه بالزجر

بما بيننا من حرمة هل علمتما ... أرق من الشكوى وأقسى من الهجر

وأفضح من عين المحب لسره ... ولاسيما أن أطلقت عبرة تجري

وما أنس من الأشياء لا أنس قولها ... لجارتها ما أولع الحب بالحر

فقالت لها الأخرى فما لصديقنا ... معنى وه في قتله لك من عذر

صليه لعل الوصل يحييه وأعلمي ... بأن أسير الحب في أعظم الأسر

فقالت أذود الناس عنه وقلما ... يطيب الهوى إلا لمهنتك الستر

وأيقنا أن قد سمعت فقالتا ... من الطارق المصغي إلينا وما ندري

فقلت فتى أن شئتما كتم الهوى ... وإلا فخلاع الأعنة والعذر

على أنه يشكو ظلوما وبخلها ... عليه بتسليم البشاشة والبشر

فقالت هجينا قلت قد كان بعض ما ... ذكرت لعل الشر يدفع بالشر

فقالت كأني بالقوافي سوائرا ... يردن بنا مصرا ويصدرن عن مصر

فقلت أسأت الظن بي لست شاعرا ... وإن كان أحيانا يجيش به صدري

وما أنا ممن سار بالشعر ذكره ... ولكن أشعاري يسير بها ذكري

وللشعر أتباع كثير ولم أكن ... له تابعا في حال عسر ولا يسر

ولكن إحسان الخليفة جعفر ... دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر

فسار مسير الشمس في كل بلدة ... وهب هبوب الريح في البر والبحر

ولو جل عن شكر الصنيعة منعم ... لجل أمير المؤمنين عن الشكر

ومن قال إن البحر والقطر أشبها ... نداه فقد أثنى على القطر والبحر

ومن المطرب قول ابن الرومي:

يا شبابي وأين منى شبابي ... آذنتني أيامه بانقضاب

لهف نفسي على نعيمي ولهوي ... تحت أفنانه اللدن الرطاب

ومعز عن الشباب مؤس ... بمشيب الأتراب والأصحاب

قلت لما انتحى يعد أناساً ... من مصاب شبابه فمصاب

ليس تأسو كلوم غيري كلومي ... ما به ما به وما بي ما بي

ومن الغايات التي لا تدرك قول موسى بن عبد الملك الاصبهاني:

لما وردنا القادسي ... ة حيث مجتمع الرفاق

وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أنفاس العراق

أيقنت لي ولمن أحب ... بجمع شمل واتفاق

وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق

لم يبق لي إلا تجش ... م هذه السبع البواقي

حتى يطول حديثنا ... بصفات ما كنا نلاقي

القادسية بفتح القاف بعد الألف دال مهملة وياء مثناة من تحتها: قرية فوق الكوفة, مر بها إبراهيم الخليل عليه السلام فوجد بها عجوزاً, فغسلت رأسه فقال: قدست من أرض, فسميت بالقادسية, ودعا لها أن تكون محلة الحاج, فلم تزل كذلك.

<<  <   >  >>