للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنت إذا انتهيت في هذا الباب إلى قصيدة الأديب محمد بن زريق الكاتب البغدادي انتهي إلى ما يسكر بلا شراب, ويطرب بلا سماع. وقد عن لي إثباتها هنا برمتها على طولها, لئلا يخلو هذا المجموع منها, وهي:

لا تعذليه فإن العذل يولعه ... قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه

جاوزت في لومه حد أضر به ... من حيث قدرت أن اللوم ينفعه

فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا ... من عنفه فهو مضنى القلب موجعه

قد كان مضطلعا بالخطب يحمله ... فضلعت بخطوب البين أضلعه

يكفيه من لوعة التفنيد أن له ... من النوى كل يوم ما يروعه

ما آب من سفر إلا وأزعجه ... رأي إلى سفر بالرغم يجمعه

كأنما هو من حل ومرتحل ... موكل بفضاء الأرض يذرعه

إذا الزماع أراه في الرحيل غنى ... ولوالى السند أضحى وهو مزمعه

يأبى المطامع إلا أن تجشمه ... للرزق كدحا وكم ممن يودعه

وما مجاهدة الإنسان توصله ... زرقا ولا دعة الإنسان تقطعه

والله قسم بين الخلق رزقهم ... لم يخلق الله مخلوقا يضيعه

لكنهم ملئوا حرصا فلست ترى ... مسترزقا وسوى الغايات تقنعه

والسعي في الرزق قد قسمت ... بغي ألا إن بغي المرء يصرعه

والدهر يعطي الفتى ما ليس يطلبه ... يوما ويمنعه من حيث يطعمه

أستودع الله في بغداد لي قمرا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه

ودعته وبودي لو يودعني ... صفو الحياة وأني لا أودعه

وكم تشفع بي أن لا أفارقه: وللضرورات حال لا تشفعه

وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه

لا أكذب الله ثوب العذر منخرق ... عني بفرقته لكن أرفعه

إني أوسع عذري في خيانته ... بالبين عنه وقلبي لا يوسعه

أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته ... وكل من لا يسوس الملك يخلعه

ومن عدا لابسا ثوب النعيم بلا ... شكر الإله فعنه الله ينزعه

اعتضت عن وجه خلي بعد فرقته ... كأسا أجرع منها ما أجرعه

كم قائل لي ذنب البين قلت له ... ألذنب الله ذنبي لست أدفعه

هلا أقمت فكان الرشد أجمعه ... لو أنني يوم بان الرشد أتبعه

إني لأقطع أيامي وانفدها ... بحسرة منه في قلبي تقطعه

بمن إذا هجع النوام بت له ... بلوعة مني ليلي لست أهجعه

لا يطمئن لجنبي مضجع كذا ... لا يطمئن له مذ بنت مضجعه

بالله يا منزل القصف الذي درست ... آثاره وعفت مذ غبت أربعه

هل الزمان معيد فيك لذتنا ... أم الليالي التي أمضته ترجعه

في ذمة الله من أصبحت منزله ... وجاد غيث على مغناك يمرعه

من عنده لي عهد لا يضيعه ... كما له عهد صدق لا أضيعه

ومن يصدع قلبي ذكره وإذا ... جرى على قلبه ذكري يصدعه

لا صبرن لدهر لا يمتعني ... به ولا بي في حال يمتعه

علما بأن اصطباري معقب فرجا ... وأضيق الأمر أن فكرت أوسعه

عل الليالي التي أضنت بفرقتنا ... جسمي ستجمعني يوما وتجمعه

وأن تنل أحدا منا منيته ... فما الذي بقضاء الله يصنعه

ومن بديعه المطرب قول أبي الطيب المتنبي من قصيدة في سيف الدولة رحمه الله:

وقد طرقت فتاة الحي مرتديا ... بصاحب غير عزهاة ولا غزل

فبات بين تراقينا ندفعه ... وليس يعلم بالشكوى ولا القبل

ثم اغتدى وبه من ردعها اثر ... على ذوائبه والجفن والخلل

لا أكسب الذكر إلا من مضاربه ... أو من سنان أصم الكعب معتدل

جاد الأمير به لي في مواهبه ... فزانها وكساني الدرع في الحلل

ومن علي بن عبد الله معفتي ... بحمله من كعبد الله أو كعلي

معطي الكواعب والجرد السلاهب ... والبيض القواضب والعسالة الذبل

ضاق الزمان ووجه الأرض عن ملك ... ملء الزمان وملء السهل والجبل

فنحن في جذل الروم في وجل ... والبر في شغل البحر في خجل

من تغلب الغالبين الناس منصبه ... ومن عدي أعادي الجبن والبخل

والمدح لابن أبي الهيجاء تنجده ... بالجاهلية عين العي والخطل

<<  <   >  >>