للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكثيرا ما قرع المتنبي هذا الباب بمثل قوله:

يترشفن من فمي رشفات ... هن فيه أحلى من التوحيد

قلت: وقال أبو الفتح بن جني: أنه أنشده حلاوة التوحيد, أي هي عندي مثل حلاوة التوحيد. وأبعد وأغرب بعض الشراح حيث جعل التوحيدي بياء النسبة, وقال: أنه نوع من التمر.

وقوله:

تتقاصر الإفهام عن إدراكه ... مثل الذي الأفلاك فيه والدنى

وقد أفرط جداً, لأن الذي الأفلاك فيه والدنى هو علم الله تعالى.

وقوله:

الناس كالعابدين آلهة ... وعبده كالموحد اللاها

وقوله:

لو كان علمك بالإله مقسما ... في الناس ما بعث الإله رسولا

أو كان لفظك فيهم ما أنزل ال ... توراة والفرقان والإنجيلا

وقوله:

لو كان ذو القرنين أعمل رأيه ... لما أتى الظلمات صرن شموسا

أو كان صادف رأس عازر سيفه ... في يوم معركة لاعيا عيسى

عازر: اسم الرجل الذي أحياه المسيح عليه السلام:

أو كان لج البحر مثل يمينه ... ما أنشق حتى جاز فيه موسى

وكأن المعاني أعيته حتى التجأ إلى استصغار أمور الأنبياء عليهم السلام وفي هذه القصيدة:

يا من نلوذ من الزمان بظله ... أبدا ونطرد باسمه إبليسا

وقوله وقد جاوز حد الإساءة:

أي محل أرتقى ... أي عظيم اتقى

وكل ما قد خلق ال ... له وما لم يخلق

محتقر في همتي ... كشعرة في مفرقي

وقبيح بمن أوله نطفة مذرة, وآخره جيفة قذرة, وهو فيما بينهما محمل العذرة, أن يقول مثل هذا الكلام.

ومن غلو ابن هاني الشنيع قوله في المعز لدين الله:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبي محمد ... وكأنما أنصارك الأنصار

أنت الذي كانت تبشرنا به ... في كتبها الأحبار والأخبار

ومنها:

جلت صفاتك أن تحد بمقول ... ما يصنع المصداق والمكثار

وقوله فيه من أخرى:

هذا ضمير النشأة الأولى التي ... بدأ الإله وغيبها المكنون

من أجل هذا قدر التقدير في ... أم الكتاب وكون التكوين

وبذا تلقى آدم من ربه ... عفوا وفاء ليونس اليقطين

لو يلتقي الطوفان قبل وجوده ... لم ينج نوحا فلكه المشحون

ومنها يخاطبه:

والنور أنت وكل نور ظلمة ... والفوق أنت وكل قدر دون

لو كان رأيك شائعا في أمة ... علموا بما سيكون قبل يكون

وقوله من أخرى فيه أيضا:

وعلمت من مكنون علم الله ما ... لم يؤت جبريلا وميكائيلا

لو كنت آونة نبيا مرسلا ... نشرت بمبعثك القرون الأولى

أو كنت نوحا منذرا في قومه ... ما زادهم بدعائه تضليلا

لله فيك سريرة لو أظهرت ... أحيا بذكرك قاتل مقتولا

لو كان آتى الخلق ما أوتيته ... لم يخلق التشبيه والتمثيلا

لولا حجاب دون علمك حاجز ... وجدوا على علم الغيوب سبيلا

وقال وأساء في المقال:

وجد العيان سناك تحقيقا ولم ... تحط الظنون بكنهه تصريحا

أخشاك تنسي الشمس مطلعها كما ... أنسى الملائك ذكرك التسبيحا

أقسمت لولا أن دعيت خليفة ... لدعيت من بعد المسيح مسيحا

شهدت بمعجزك السماوات العلى ... وتنزل القرآن فيك مديحا

وقوله وقد تجاوز الحد:

أتبعته فكري حتى إذا بلغت ... غاياتها بين تصويب وتصعيد

رأيت موضع برهان يبين وما ... رأيت موضع تكييف وتحديد

وهذا مدح يليق بالخالق سبحانه لا بالمخلوق, وهو في شعره كثير جدا حتى قال القاضي ابن خلكان في ترجمته: ولولا ما في ديوانه من الغلو في المدح والإفراط المؤدي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين. وليس من المغاربة من هو في طبقته, لا من متقدميهم ولا متأخريهم, بل هو أشعرهم على الإطلاق. وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة, وكانا متعاصرين والله أعلم.

ومن غلو أبي العلاء المعري قوله في قصيدة:

ولولا قولك الخلاق ربي ... لكان لنا بطلعتك افتتان

وقوله أيضاً من أخرى:

خاضعات لك الكواكب تختص ... مواليك بالمحل الأثير

لا يؤثرن في الولي ولا الحاسد حتى تشير بالتأثير

ومنها في تهنئة ممدوحه بالزواج:

<<  <   >  >>