للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد، ومع ذلك، فقد انتقده الحذاق، بعدم المناسبة بين شطريه لأن صدر البيت جمع بين عذوبة اللفظ، وسهولة السبك، وكثرة المعاني وليس في الشطر الثاني شيء من ذلك. قال ابن المعتز: قول النابغة: -

كليني لهمٍ يا أمية ناسب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب

مقدم عليه لأن امرئ القيس وإن بالغ في الشطر الأول، لكن قصر في الثاني، حيث أتى بمعانٍ قليلة في ألفاظ كثيرة غريبة. والنابغة راعي التناسب.

ومن محاسن الابتداء قول بشار بن برد:

أبى طَلل بالجزع أن يتكلما ... وماذا عليه لو أجاب متيما

وقول الحسن بن هاني:

لمن دمن تزداد حسن رسوم ... على طول ما أقوت وطيب نسيم

وقول أبي تمام:

لا أنتِ أنت ولا الديار ديار ... خف الهوى وتقضت الأوطار

وقول البحتري:

بودي لو يهوى العذول ويعشق ... ليعلم أسباب الهوى كيف تعلق

وقول أبي الطيب:

أتراها لكثرة العشاق ... تحسب الدمع خلقة في المآقي

وقل أبي العلاء المعري:

يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر ... لعل بالجزع أعواناً على السهر

وقول القاضي التنوخي:

أسير وقلبي في هواكَ أسير ... وجادي ركابي لوعة وزفير

وقول الشريف الرضي (ره) :

بالجد لا بالمساعي يبلغ الشرف ... تمشي الجدود بأقوامٍ وإن وقفوا

وقوله:

ردوا الغليل لقلبي المشغوف ... وخذوا الكرى عن ناظري المطروف

وقوله:

أراقب من طيف الحبيب وصالا ... ويأبى خيال أن يزور خيالا

وقوله:

ألا ليت أذيال الغيوم السواجم ... تجرّ على تلك الربى والمعالمِ

وقول تلميذه مهيار بن مرزويه الكاتب رحمه الله تعالى:

لو كنت دانيت المودة قاصيا ... رد الجنائب يوم بن فؤاديا

وقوله:

حمام اللو رفقاً به فهو لبه ... جواداً رهانٍ نوحكنٌ ونحبه

وقوله:

أشاقك من حسناء وهنا طروقها ... نعم كل حاجات النفوس تشوقها

وقول الأديب الشاعر أبي العباس محمد بن أحمد الأبيوردي:

أهذه خطرات الربرب العين ... أم الغصون على أنقاء يبرين

وقوله:

تجنَّ علينا طيفها حين أرسلا ... وهل يتجن الحب إلا ليعجلا

وقوله:

كتمنا الهوى وكففنا الحنينا ... فلم يلق ذو صبوة ما لقينا

وما أحسن ما قال بعده:

وأنتم تبثون سر الغرام ... طوراً شمالا وطوراً يمينا

ولما تناديتم بالرحيل ... لم يترك الدمع سراً مصونا

أمنتم على السر منا القلوب ... فهلا أتهمتم عليه العيونا

ومما استحسنه صاحب اليتيمة من مطالع أبي الطيب.

فديناك من ربعٍ وإن زدتنا كربا ... فإنك كنت الشرق للشمس والغربا

وما أحسن قوله بعده:

وكيف عرفنا رسم من لم يدع لنا ... فؤاداً لعرفان الرسوم ولالبا

نزلنا عن الأكور نمشي كرامةً ... لمن بان عنه أن نلمَّ به ركبا

قال ابن بسام في الذخيرة: أول من بكى الربع واستبكى، ووقف واستوقف: الملك الضليل حيث يقول:

(قفا نبك على ذكرى حبيب ومنزل)

ثم جاء أبو الطيب، فنزل وترجل، ومشى في آثار الديار، حيث يقول (نزلنا على الأكوار) البيت وما قبله.

ثم جاء أبو العلاء المعري فلم يقنع بهذه الكرامة، حتى خشع ومجد حيث يقول:

تحية كسرى في السناء وتبع ... لربعك لا أرضى تحية أربع

وهذه البيت من محاسن الابتداء أيضاً.

قلت: كأن ابن بسام غفل عن مطلع المتنبي، فإن كرامته فيه للربع أعظم من كرامة أبي العلاء، لأن أبا الطيب فداه بنفسه حيث قال: (فديناك من ربع وإن زدتنا كربا) . ولا شك أن التفدية أعظم من الخشوع والسجود في التحية.

ومن محاسن الابتداء قول ابن النبيه:

يا ساكني السفح كم عين بكم سفحت ... نزحتم وهي بعد البعد ما نزحت

وقول الشيخ جمال الدين بن نباته:

بدا ورنت لواحظه دلالا ... فما أبهى الغزالة والغزالا

وقول الشيخ صفي الدين الحلي:

قفي ودعينا وشك التفرق ... فما أنا من يحيا إلى حين نلتقي

وقول الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض:

ما بين معترك الأحداق والمهج ... أنا القتيل بلا إثم ولا حرج

<<  <   >  >>