للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاستطرد من الفخر بالشجاعة إلى هجو أعدائه، ثم عاد إلى ما كان عليه من الافتخار فقال:

يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكره آجالهم فتطولُ

وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طل منا حيث كان قتيل

تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير الظبات تسيل

إلى آخر القصيدة.

ومثله قول الآخر:

إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم

فخرج من الوعظ إلى الهجو المؤلم في قبيلة جرم. ووقع منه في القرآن العظيم آيات، منها في سورة لقمان، قوله تعالى: (وإذا قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنت تعملون) . فاستطرد من حكاية وصية لقمان لابنه وصيته سبحانه لعباده، لما بينهما من المناسبة، ثم عاد إلى ما كان عليه من وصية لقمان لابنه فقال: (يا بني إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ) إلى آخر الآيات. ومنها في سورة الشعراء، حيث حكى قول إبراهيم: (ولا تخزني يوم يبعثون) فاستطرد إلى وصف المعاد بقوله: (يوم لا ينفع مال ولا بنون) إلى آخره، ثم عاد إلى ذكر الأنبياء والأمم. ومثل كثير فيه يظهر عند التتبع.

ومما وقع في الشعر قول الشريف الرضي عليه من الله الرضا:

أبونا الذي أبدى بصفين سيفه ... ضغاء ابن هند والقنا يتقصف

ومن قبل ما أبلى ببدرٍ وغيرهما ... ولا موقف إلا له فيه موقفُ

ورثنا رسول الله علوي مجده ... ومعظم ما ضم الصفا والمعرف

وعند رجال إن جل تراثه ... قضيب محلى أو رداء مفوف

يريدون أن نلقي إليهم أكفنا ... ومن دمنا أيديهم الدهر تنطف

فلله ما أقسى ضمائر قومنا ... لقد جاوزوا حد العقوق وأسرفوا

يضنون أن تعطى نصيباً من العلا ... وقد عاجلوا دين العلى وتسلفوا

فاستطرد من الافتخار إلى الشكوى من بني العباس وجورهم، ثم عاد إلى غرضه من الافتخار فقال:

وهذا أبي الأدنى الذي تعرفونه ... مقدم مجد أول ومخلف

مؤلف ما بين الملوك إذا هفوا ... وأشفوا على حز الرقاب وأشرفروا

إلى آخر القصيدة وهي من محاسن قصائده. وأراد بالقضيب والرداء في قوله: قضيب محلى أو رداء مفوف، قضيب النبي) صلى الله عليه وآله وسلم (وبردته، اللذين كان الخلفاء يتوارثونهما. قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أما القضيب فهو السيف الذي نحله علياً) عليه السلام (في مرضه، وليس بذي الفقار، بل هو سيف آخر. وأما البردة فإنه وهبها كعب بن زهير، ثم صار هذا السيف وهذه البردة إلى الخلفاء بعد تنقلات كثيرة مذكورة في كتب التواريخ. انتهى.

وقول الأبيوردي:

وواش يسر الحقد واللحظ ناطق ... به وعلى الشحناء تطوى ترائبه

وشى بسليمي مظهراً لي نصيحة ... ومن نصحاء المرء من هو كاذبه

ورشح من هنا وهنا حديثه ... ليخدعني والليل يغتال خاطبه

فقربته مني ولم يدر أنه ... إذا عد مجد ليس منن يقاربه

وأرعيته سمعي ليحسب أنني ... سريع إلى الأمر الذي هو طالبه

ولو رام عمرو والمغيرة غيرتي ... لاعيتهما فليحذر الشر جالبه

أراد عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لأنهما كانا أدهى دهاة العرب وأمكرها.

وما الصقر مني حين يرسل نظرة ... وتصدقه عيناه فيما يراقبه

ولا الأسد الضاري يريد شكيمتي ... وإن دميت عند الدفاع مخالبه

فاستطرد من وصف الواشي وذمه إلى وصف نفسه بالحزم والعقل وتقرب النظر والفراسة والشجاعة، ثم عاد إلى الواشي فقال:

فقلت له لما تبين أنني ... فتى الحي لا يشقى به من يصاحبه

أتعذلني ... فاهاً لفيك

على الهوى

لأرمي بالحبل الذي أنت قاضبه

وأهجر من أغرى إذا عبته به ... جعلت فداء الذي أنت عائبه

ومنه قولي:

وافي وافق الدجى بالزهر متشح ... والنجم يخفي لرائيه ويتضحُ

والبدر يرفل في ظلمائه مرحاً ... وضرة البدر عندي زانها المرح

<<  <   >  >>