والثالث هو حذف جميع الحروف المعجمة، كقوله في صدر خطبة: الحمد لله سامع الدعاء، وساطع اللألأء، وحاسم اللأواء، ومدمر الأعداء، وصلى الله على رسوله محمد أحمد الرسل أحكاما، وأعلاهم إعلاما، وأسعدهم طالعا، وأسماهم مطالعا، وأكرمهم ملة، وأوكدهم أدلة؛ المرسل إلى الأسود (و) الأحمر، والمعمل للحسام الصارم والرمح الأسمر، وعلى آله العلماء، وأهله الكرماء، ما طلع هلال السماء، واطلع لؤلؤ الدأماء. اسمعوا رحمكم الله وعوا، واسعوا إلى ما دعاكم الله وأسرعوا، ودعوا طول الأمل، وسارعوا إلى صالح العمل، واطرحوا سوء المطامع، وسدوا عما ألهاكم المسامع، وأصلحوا للمعاد أحوالكم، وأدركوا مصارعكم وأهوالكم. أما والله لو علم امرؤ ما أمامه، لصارم آرامه، وأهمل ما رامه، وسالم إسلامه، وسأل الله السلامة.
وللحريري خطبتان على هذا النمط من إسقاط حروف النقط، إحداهما أولها: الحمد لله الممدوح الأسماء، المحمود الألاء، والأخرى أولها: الحمد لله الملك المحمود المالك الودود.
ومن أمثلته الشعرية قول الحريري أيضاً:
أعدد لحسادك حد السلاح ... وأورد الأمل ورد السماح.
وصارم اللهو ووصل المها ... وأعمل الكوم وسمر الرماح.
واسع لإدراك محل سما ... عماده لا لاد راع المراح.
والله ما السؤدد حسو الطلا ... ولا مراد الحمد رود رداح.
واها لحر صدره واسع ... وهمه ما سر أهل الصلاح.
مورده حلو لسؤاله ... وماله ما سألوه مطاح.
ما أسمع الأمل ردا ولا ... ما طله والمطل لؤم صراح.
ولا أطاع اللهو لما دعا ... ولا كسا راحا له كأس راح.
وقلت أنا على هذا الوزن والروي:
لله ما أحلى وصال الملاح ... وما الردى إلا صدور الرماح.
لا أصلح الله عدوا لحى ... على الهوى لما رأى الوصل لاح.
لو علم اللائم ما رامه ... ملومه ما رام إلا الصلاح.
ما السعد إلا وصل سعدى ولا ... روح الهوى إلا كؤوس وراح.
والله لا أسلو هواها ولو ... لام مصرا ولحى كل لاح.
وللسيد عبد الله الطيلاواني قصيدة عاطلة في الموعظة أولها:
رد الحلم واسمع ما رواه امرؤ آس ... وأسس عماد العلم وأحكم آساس.
وراع عهود الله وأورع وعوده ... وحم حول إصلاح لواسع أرماس.
ودم سالكا سهل الكمال ووعره ... ودم صالح الأعمال حاسم وسواس.
ودع كلما ألهاك عما أراكه ... إلهك وارحم كل عال وكسكاس.
وصل وصل واسمح ورم ورم على ... وسد وسد واصدع ودع سكر الكاس.
وكل كل أمر لودود وصم وكل ... حلالا وواصل درس أحكام أطراس.
ورم صالح الأعمال والمال مصلحا ... لمورد إسراع ومصدر أعراس.
وعاد سماع اللهو واعدا مهرولا ... لداع دعا الله واعد لمدارس.
وهي طويلة تقع في اثنين وثمانين بيتا.
ومما لا بد من معرفته في هذا الموضع معرفة ما ينقط مالا ينقط من الحروف فنقول: الحروف على قسمين: أحدهما ما ينقط موصولا ومفصولا وهو الباء والتاء والثاء والجيم والخاء والزاي والشين والضاد والظاء والغين والفاء والقاف والنون والياء، وقيل في الأربعة الأخيرة أنها لا تلفظ إذا لم توصل بما بعدها لعد الاشتباه. وقد سوى الحريري في المقامات بينها متصلة ومنفصلة.
الثاني ما لا ينقط، إما لأنه لا مشابه له صورة، أو لأنه استغني عن نقطه بلزوم النقط لما شاركه في الصورة، وجميع ذلك الهمزة والألف والحاء والدال والسين والصاد والطاء والعين والكاف واللام والميم والواو والهاء. وأما تاء التأنيث في نحو، تمرة طيبة، وجارية زيد، فقد قال المطرزي: لم أجد في نقطها نصا ولأن كنا ننقطها، إلا أن الحريري لم يعدها في حروف النقط، ولهذا ضمن خطبته العرية من الإعجام قوله: ومساورة الإعلال، ومصارمة الأهل والمال، وذلك من إتباعهم الخط.
وأما رحمت الله بالتاء الممدودة، فلأنه لما لزم استعمالها مع الله وحده حتى صارت بمنزلة ما لا ينفصل، كتبت هكذا على اللفظ، كما اتصلت بالمضمر نحو جاريتي وجاريتك.
ونقط الهمزة في نحو قائل وبائع، عامي، والحريري نقطها في الرقطاء في حبائل ونائل وملائم، وعذره كونها على صورة الياء في الخط.