للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتنبهت مرتاعة فزعا ... ريا المخلخل طفلة الخد

قالت من المقتول قلت لها ... من قد قتلت بلوعة الصد

قالت قتيل هواي قلت أجل ... قالت أجلك عن جفا الرد

فوقفت مهري غير مرتقب ... ونزلت عن نهدٍ إلى نهد

ودنوت منها وهي عاتبة ... أبدي العتاب لها كما تبدي

ثم اعتنقنا وهي مغضية ... عني وبات وسادها زندي

وضممت سيفي بيننا فغدت ... غيري تدفعه على عمد

حتى إذا ضاق العناق بنا ... ضما يذوب له حصى العقد

قالت فديتك دعه ناحية ... يغنيك ضم الرمح من قدي

وقلت في ذلك أيضاً وزدت في زيادة أخرى:

وليلة عانقت في جنحها ... ثالثة الشمس وبدر التمامْ

فلم يطب لي ضمها ساعة ... حتى ضممت السيف عند المنام

فاستنكرت ضمي له بيننا ... وقد صفا الوصل وطاب اللزام

قالت فدتك النفس من حازم ... ما تصنع الآن بهذا الحسام

يغنيك عنه لا خشيت العدى ... مهند اللحظ ورمح القوام

ذكرت بقول أبي الطيب: وقد طرقت فتات الحي مرتدياً - البيتين - ما حكاه لي سيدي الوالد رحمه الله تعالى في بعض منادماته قال: كان بعض الناس ممن أدركته يكثر التمثل بشعر أبي الطيب من غير أن يفهم المعنى، فأنشد يوماً هذين البيتين مترنماً بهما، فسأله بعض الحاضرين، ما عنى بقوله (فبات بين تراقينا ندفعه) ؟ فقال: عنى فرساً، فقال: لو كان فرساً لكسر تراقيك، وتراقيها وأنتما تدفعانه.

وقريب من ذلك ما حكاه صاحب الأغاني، قال: كان الأقيشر عنيناً لا يأتي النساء وكان يصف ضد ذلك من نفسه، فجلس إليه يوماً رجل من قيس.

فأنشده الأقيشر:

ولقد أروح بمشرف ذي ميعة ... عسر المكرة ماؤه يتفصدُ

مرح يطير من المراح لعابه ... ويكاد جلد أهابه يتقدد

ثم قال للرجل: أتبصر الشعر؟ قال: نعم. قال: فما وصفت؟ قال: فرساً، قال: أفكنت لو رأيته تركبه؟ قال: أي والله واثني عطفه، فكشف الأقيشر عن أيره فقال هذا وصفت فقم فأركبه، فوثب الرجل عن مجلسه وهو يقول: قبحك الله من جليس سائر اليوم.

رجع. ومن الافتنان بالنسيب والمدح: قول القزاز الأندلسي في ابن صمادح، وهو غريب:

نفى الحب عن مقلتي الكرى ... كما قد نفى عن يدي العدمْ

فقد قر حبك في خاطري ... كما قر في راحتيك الكرم

وفرَّ سلوك من فكرتي ... كما فر عن عرضه كل ذم

فحبي ومفخره باقيان ... لا يذهبان بطول القدم

فأبقى لي الحب خال وخد ... وأبقى له الفخر خال وعم

ومن الافتنان بالهجو والمدح، قول ربيعة في يزيد بن حاتم، يفضله على يزيد بن أسيد [وكان] في لسانه تمتمة، فعرض بها في هذه الأبيات:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتمِ

فهم الفتى الأزدي أتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم

فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم

وهذا من أشد أنواع الهجاء، وهو الذي يسمى بالمقذع.

تنبيه - ذكر ابن أبي الإصبع في كتابه المسمى بتحرير التجبير نوعاً يسمى التمزيج - بالجيم - ولم ينظمه أصحاب البديعيات، وهر قريب من الافتنان، غير أن بينهما فرقاً دقيقاً، وهو أن الافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من فنون الكلام، والتمزيج يكون بالجمع بين الفنون والمعاني.

ومن أمثلته قول الشريف الرضي عليه من الله الرضا جامعاً بين الحماسة والمدح والهجو تعريضاً لا تصريحاً.

فقال وأغرب في المقال:

ما مقامي على الهوان وعندي ... مقول صارم وأنف حمي

وإباء محلق بي من الضي ... م كما راغ طائر وحشي

أي عذر له إلى المجد إن ذل غلام في غمده المشرفي

ألبس الذل في ديار الأعادي ... وبمصر الخليفة العلوي

من أبوه أبي ومولاه مولا ... ي إذا ضامني البعيد القصي

لف عرقي بعرقه سيد النا ... س جميعاً محمد وعلي

أن ذلي بذلك الجو عز ... وأوامي بذلك النقع ري

قد يذل العزيز ما لم يشمر ... لانطلاق وقد يضام الأبي

إن شراً علي إسراع عزمي ... في طلاب العلي وحظي بطي

أرضي بالأذى ولم يقف العز ... م قصوراً ولم تعز المطي

<<  <   >  >>