للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تاركاً أسرتي رجوعاً إلى حي ... ث غديري قذٍ ورعيي وبي

كالذي يخبط الظلام وقد أق ... مر من خلفه النهار المضي

فتحسم أولاً ومدح الخليفة العلوي بمصر، ومت إليه بالنسب وعرض بهجاء بني العباس، ولما ظهرت هذه الأبيات وبلغت القادر بالله، أقامته وأقعدته، وبلغت منه كل مبلغ، فعقد مجلساً أحضر فيه أبا أحمد الطاهر الموسوي والد الرضي، وابنه أبا القاسم المرتضى، وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء، وأبرز إليهم هذه الأبيات، وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء، وأبرز إليهم هذه الأبيات، وقال الحاجب للنقيب أبي أحمد: قل لولدك محمد - يعني الرضي -: أي هو أن قد أقام عليه عندنا؟ وأي ضمي رآه من جهتنا؟ وأي ذلك أصابه في ملكنا؟ وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو ذهب إليه؟. أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟ ألم نوله النقابة؟ ألم نوله المظالم؟ ألم نستخلفه على الحرمين والحجاز؟ وجعلناه أمير الحجيج؟ فهل كان يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا؟ وهل كان لو حصل عنده إلا واحداً من أفناء الطالبيين؟. فقال النقيب أبو أحمد، أن هذا الشعر مما لم نسمعه منه ولا رأيناه بخطه، ولا يبعد أن يكون بعض أعداء الرضي عزاء إليه. فقال القادر بالله: إن كان كذلك فليكتب الآن محضر يتضمن القدح في أنساب ولاة مصر، ويكتب محمد خطه فيه. فكتب محضر بذلك، شهد فيه جميع من حضر في المجلس، منهم النقيب أبو أحمد، وابنه المرتضى، وحمل المحضر إلى الرضي ليكتب عليه خطه، حمله إليه أبوه وأخوه فامتنع من سطر خطه وأقسم أنه لي من شعره، وأنه لا يعرفه، فأجبره أبوه على أن يسطر خطه في المحضر، فلم يفعل وقال: أخاف دعاة المصريين وغيلتهم. فقال أبوه: وا عجبا تجاف من بينك وبينه ستماءة فرسخ ولا تخاف من بينك وبينه ستة أذرع؟ وحلف أن لا يكلمه، وكذلك أخوه المرتضى. فعل ذلك تقية وخوفاً من القادر بالله وتسكيناً له. ولما انتهى الأمر إلى القادر سكت عنه على غل أضمره له، وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة والله أعلم.

ووقع لي أنا في ذلك قصيدة اشتملت على نسبي وشكوى وفخر وحماسة وحكمة، ولا بأس بإثباتها هنا فإنها من أمثلة هذا النوع وهي:

لك الخير أن جزت اللوى والمطاليا ... فحي ربوعاً منذ دهر خواليا

وقف سائلاً عن أهلها أين يمموا ... وإن لم تجد فيها محبباً وداعيا

وعج أولا نحو المعاهد ثانيا ... زمام المطايا واسأل العهد ثانيا

فإن تلفها من ساكنيها عواطلا ... فعهدي بها مر الليالي حواليا

تحل بها غيد غوان كأنما ... نظمن على جيد الزمان لئاليا

يرنحن من هيف القدود ذوابلا ... وينضين من دعج اللحاظ مواضيا

ويبدين من غر الوجوه أهلة ... وينشرن من سود الفروع لياليا

تحكمن قسراً في القلوب فلن ترى ... فؤاد محب من هواهن خاليا

قضت بهواهن الليالي وما قضت ... ديون الهوى حتى سئمنا التقاضيا

أطعت الصبا في حبهن مدى الصبا ... فلما انقضى استبدلت عنه التصابيا

نعم قد حلا ذاك الزمان وقد خلا ... على مثله فلبيك من كان باكيا

وثم صبابات من الشوق لن تزل ... تؤجج وجداً بين جنبي واريا

ولكنني أبدي التجلد في الهوى ... وأظهر سلواناً وما كنت ساليا

قصارى النوى والهجر أن يتصرما ... فيمسي قصي الدار والود دانيا

صبرت على حكم الزمان وذو الحجا ... ينال بعون الصبر ما كان راجيا

وقلت لعل الدهر يثني عنانه ... فاثني عن لوم الزمان شاكيا

ولو أجدت الشكوى شكوت وإنما ... رأيت صروف الدهر لم تشك شاكيا

فليت رجالاً كنت أملت نفعهم ... تولوا كفافاً لا عليَّ ولا ليا

ولو أنني يوم الصفاء أتقيتهم ... تقاة الأعادي ما خشيت الأعاديا

ولكنهم أبدوا وفاقاً واضمروا ... نفاقاً وجروا للبلاء الدواهيا

فأغضيت عنهم لا أريد عتابهم ... ليقضي أمر الله ما كان قاضيا

ولي شيمة في وجنة الدهر شامة ... تنير على رغم الصباح الديايا

يؤازرها من هاشم ومحمد ... مفاخر لا تبقي من الفخر باقيا

سبقت إلى غايات مجد تقطعت ... رقاب أناس دونها من روائيا

وزدت على دهري وسني لم تكن ... تزيد على العشرين إلا ثمانيا

<<  <   >  >>