للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: ما كان النشر فيه على ترتيب اللف، بأن يكون الأول من النشر للأول من اللف، والثاني للثاني، وهكذا على الترتيب، وهذا الضرب هو الأكثر في هذا النوع والأشهر فيه، ومثاله قوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) ذكر الليل والنهار على التفصيل، ثم ذكر ما لليل وهو السكون فيه، وما للنهار وهو الابتغاء من فضل الله على الترتيب.

وقول الشاعر:

الست أنت الذي من ورد وجنته ... وورد نعمته أجني وأغترفُ

وقول البهاء زهير:

ولي فيك قلب بالغرام مقيد ... له خبر يرويه طرفي مطلقا

ومن فرط وجدي في لماه وثغره ... أعلل قلبي بالعذيب وبالنقا

وقول ابن نباتة:

سألته عن قومه فانثنى ... يعجب من إسراف دمعي السخي

وأبصر المسك وبدر الدجى ... فقال ذا خالي وهذا أخي

وقول السيد أحمد المغربي من شعراء العصر:

إذا طال قرن أو تعرض مارق ... فهذا له قد وهذا له قط

فالقد: الشق طولاً، والقط: القطع عرضاً.

وبديع قول ابن مكنسة:

والسكر في وجنته وطرفه ... يفتح ورداً ويغض نرجسا

وقول مؤلفه عفا الله عنه، وفي كل من الأبيات الثلاثة شاهد له نحن فيه:

أفديه من رشأ تبدى واختفى ... كالبدر عند طلوعه ومغيبهِ

يجفو ويعتب معرضاً متدللا ... ويصد معتذراً بخوف رقيبه

نفسي الفداء له فقد حسن الهوى ... فيه وطاب بحسنه وبطيبه

ما شاء فليصنع فقلبي طوعه ... ودع العذول يلج في تأنيبه

وقوله أيضاً:

يا بريق الحياة ويا عذب البا ... ن لقد هجتما لقلبي وجدا

زدتماني شوقاً لظبي غرير ... حين أشبهتماه ثغراً وقدا

وبعده:

هكذا كل مغرم إن شرى البر ... ق وهز النسيم باناً ورندا

يستجد الأشواق وجداً ويز ... داد بتذكاره على الوقد وقدا

لا أخص النسيم والبرق والبا ... ن وإن جددت لشوقي عهدا

كل ما في الوجود يصبي المعنى ... بهوى ذلك الجمال المفدى

ولابن حيوس بين ثلاثة وثلاثة:

ومقرطق يغني النديم بوجهه ... عن كاسه الملأى وعن إبريقه

فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه

ومثله قول ابن الرومي:

آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ... في الحادثات إذا دجون نجومْ

منها معالم للهدى ومصابح ... تجلو الدجى والأخريات رجوم

وقول الآخر:

ورد ومسك ودر ... خد وخال وثغرُ

لحظ وجفن وغنج ... سيف ونبل وسحر

شعر وقد ووجه ... ليل وغصن وبدر

وقول حمدة ويقال حمدونة بنت زياد المؤدب وهي خنساء المغرب، شاعرة الأندلس، وهو من عجيب شعرها:

ولما أبى الواشون إلا فراقنا ... وليس لهم عند وعندك من ثارِ

وشنوا على أسماعنا كل غارة ... وقل حماتي عند ذاك وأنصاري

غزوتهم من مقلتيك وأدمعي ... ومن نفسي بالماء والسيف والنار

ومنهم من يزعم أن هذه الأبيات لمهجة بنت عبد الرحمن الغرناطية، وكونها لحمدة أشهر.

قال الرعيني بعد ذكر هذه الأبيات: كانت حمدة هذه من ذوي الألباب وفحول أهل الآداب، حتى أن بعض المنسلين تعلق بهذه الأهداب، وادعى نظم هذه الأبيات لما فيها من المعاني والألفاظ العذاب. وما غره في ذلك إلا بعد دارها، وخلو هذه الأبيات المشرقية من أخبارها، وقد تلبس بعضهم أيضاً بشعارها وادعى غير هذا من أشعارها.

وهو قولها:

وقانا لفحة الرمضاء وادٍ ... سقاه مضاعف الغيث العميمِ

حللنا دوحه فحنا علينا ... حنو المرضعات على الفطيم

وأرشفنا على ظمأ زلالا ... الذ من المدامة للنديم

يصد الشمس أنى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم

تروع حصاة حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم

وإن هذه الأبيات نسبها أهل البلد المشرقية للمنازي من شعرائهم، وركبوا التعصب في جادة إدعائهم، وهي أبيات لم يحكها غير لسانها، ولا رقم بردتها غير إحسانها، ولقد رأيت المؤرخين من أهل بلادنا وهي الأندلس، أثبتوها لها قبل أن يخرج المنازي من العدم إلى الوجود، ويتصف بلفظ الموجود.

<<  <   >  >>