وقال الخليل: يقال: طابقت بين الشيئين إذا جمعت بينهما على حد واحد وألصقتهما.
وقدامة يسمي المطابقة تكافؤا، والطباق عنده اجتماع المعنيين في لفظة مكررة، وأنشد عليه قول الأودي:
وأقطع الهوجل مستأنساً ... بهوجل عيرانة عنتريس.
فهوجل الأول: المفازة البعيدة. والثاني: الناقة بها هوج من سرعتها وهذا عند سائر أهل هذا العلم تجنيس مستوفي. وقد يجمع بين قول الخليل وقدامة، بأن يجعل الشيئان في كلام الخليل المعنيين، والحد الواحد اللفظة ويكون مطابقة اللفظة للمعنى أي موافقته، ومنه قولهم: فلان يطابق فلانا على كذا أن يوافقه ويساعده، فيكون مذهب قدامة أن اللفظة وافقت معنى ثم وافقت معنى آخر. انتهى كلام ابن الأثير.
وجمعه بين قول الخليل وقدامة ليس بصواب، فقد قال الأخفش: ممن قال أن المطابقة اشتراك المعنيين في لفظ واحد، فقد خالف الخليل والأصمعي، فقيل له: أو كانا يعرفان ذلك؟ فقال سبحان الله، من كان أعلم منهما بطيبه وخبيثه؟. انتهى.
وما أحسن ما أتى في الجواب بالطباق بين الطيب والخبيث، وعلى هذا فتفسير الخليل المذكور للمطابقة لغوي لا اصطلاحي.
والطباق قسمان، حقيقي ومجازي، ويخص بعضهم الثاني باسم التكافؤ. وكل منهما إما لفظي أو معنوي، وإما طباق إيجاب أو طباق سلب. فالطباق الحقيقي- ما كان بألفاظ الحقيقة، سواء كان من اسمين أو فعلين أو حرفين، كقوله تعالى: (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) وقوله تعالى: (وما يسوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور) وقوله تعالى: (وإنه هو أضحك وأبكى وأنه هو آمات وأحيا) وقوله تعالى: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) .
وقول الني صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار: إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع.
وقل أبي صخر الهذلي:
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر
وقول ابن الدمينة:
لأن سائني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت بالك
وقول كثير عزة:
وواله ما قاربت إلا تباعدت ... بصرم ولا أكثرت إلا أقلت
وقول أبي الحسن التهامي:
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار
ومن لطيف قول الأرجاني:
وقد نزلت من الملوك بماجد ... فقر الرجال إليه مفتاح الغنى
وقول الفرزدق:
لعن الإله بني كليب أنهم ... لا يغدرون ولا يفنون لجار
يستيقظون إلى نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار
وفي البيت الأول مع الطباق تكميل حسن، إذ لو اقتصرت على قوله: لا يغدرون، لاحتمل الكلام المدح، إذ ترك العذر قد يكون عن عفة، فقال: ولا يفنون، ليفيد أنه للعجز، كما أن ترك الوفاء للؤم، وحصل مع ذلك إيغال حسن لأنه لو وقف على قوله: ولا يفون، لتم المعنى، لكنه لما احتاج إلى القافية أفاد بها معنى زائدا، حيث قال: لجار، لأن ترك الوفاء للجار أشد قبحا من تركه لغيره.
والطباق بالحروف كقوله تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) .
وقول الشاعر:
على أنني راض بأن أحمل الهوى ... وأخلص منه لا عليَّ ولا ليا
وقول الآخر:
ويوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر.
والطباق المجازي- ما كان بألفاظ المجاز، كذا قالوا، والذي أراه: أنه يشترط فيه أن يكون المعنيان المجازيان متقابلين أيضاً، وإلا دخل فيه إيهام الطباق- وهو الجمع بين معنيين غير متقابلين أيضاً، عبر عنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقيان، وقد جعلوه نوعا أخر غير المجازي.
فمثال الطباق المجازي قوله تعالى: (أو من كان ميتاً فأحييناه) أي ضالاً فهديناه، فالموت والإحياء متقابل معناهما المجازيان، وهما الضلال والهدى، ومعناهما الحقيقيان المعروفان.
ومثله قول علي عليه السلام: احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع. قال ابن أبي الحديد: ليس يعني بالجوع والشبع ما يتعارفه الناس وإنما المراد: احذروا صولة الكريم إذا ضيم وامتهن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم. انتهى.
فعبر عن الضيم بالجوع، وعن الإكرام بالشبع، وهو مجاز، وكلا معنييهما متقابلان، الحقيقان والمجازيان.
وقول التهامي: